تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

تضامن كنسي وروحي عالمي مع الطيبة ورفض قاطع لاعتداءات المستوطنين

صوت الطيبة صارخ في البرية
تضامن كنسي وروحي عالمي مع الطيبة ورفض قاطع لاعتداءات المستوطنين

الطيبة – سند ساحلية – "نبض الحياة" - بهذه الكلمات القاطعة: "إن أعظم أعمال الشجاعة هو أن تستمرّ في اعتبار هذا المكان وطنك"، عبّر بطاركة ورؤساء الكنائس في القدس عن تضامنهم الراسخ مع أهالي بلدة الطيبة، خلال زيارة تضامنية غير مسبوقة جرت صباح الاثنين، 14 تموز/يوليو 2025. وجاءت هذه الزيارة بمبادرة من رؤساء الكنائس، ردًا على التصعيد الخطير في الاعتداءات التي يشنّها مستوطنون إسرائيليون على البلدة الفلسطينية المسيحية التاريخية.

شارك في الزيارة كبار قادة الكنائس في القدس، يتقدمهم البطريرك ثيوفيلوس الثالث، بطريرك الروم الأرثوذكس، والكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك اللاتين، إلى جانب حضور دبلوماسي واسع تمثّل بممثلي أكثر من عشرين بعثة أجنبية. في المقابل، سُجّل غياب الوفد الأميركي، بعد إلغاء مشاركته في اللحظات الأخيرة دون توضيح الأسباب.

وفي بيان تلاه البطريرك ثيوفيلوس الثالث، باسم رؤساء الكنائس جاء فيه: 'نناشد ضمائر العالم أجمع، ونلتمس صلواته واهتمامه وتحركه، وبشكل خاص من الإخوة المسيحيين في جميع أنحاء المعمورة... لقد حافظت الكنيسة على حضورها الأمين في هذه الأرض لما يقارب الألفي عام، ونحن نرفض رفضًا قاطعًا هذه الرسائل الإقصائية ".

أدان بطاركة ورؤساء الكنائس في القدس "الهجمات المنهجية والمقصودة" التي تستهدف المجتمع المسيحي في الطيبة، محذرين من أن ما يحدث يشكل تهديدًا خطيرًا للوجود المسيحي والإرث الديني في الأرض المقدسة. وطالبوا المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته واتخاذ إجراءات فورية لحماية السكان والمقدسات.

في بيان رسمي، شددوا على ضرورة محاسبة المعتدين من قبل السلطات الإسرائيلية، محذرين من أن الإفلات من العقاب يشجّع على تكرار الانتهاكات. ودعوا إلى تفكيك البؤر الاستيطانية غير القانونية التي تهدد حياة السكان وأراضيهم، وضمان وصول الأهالي إلى أراضيهم الزراعية، خاصة بساتين الزيتون التي تعتمد عليها العائلات كمصدر رزق.

وطالب البيان بإجراء تحقيق فوري وشفاف حول تجاهل الشرطة لنداءات الاستغاثة خلال الاعتداءات، ووجه نداءً للدول الحامية للوجود المسيحي للتحرك الدبلوماسي الفعّال، إلى جانب تقديم دعم إنساني وتنموي يعزز صمود الأهالي.

أكد البطاركة دعمهم الكامل للمجتمع المحلي، في ظل تصاعد الهجمات، وناشدوا ضمائر العالم والصلاة والتحرك، خصوصًا من المسيحيين حول العالم.

وأشار البيان إلى حادثة 7 تموز 2025، حين أضرم مستوطنون متطرفون النار عمدًا قرب مقبرة وكنيسة القديس جاورجيوس (الخضر) التاريخية، معتبرين ذلك تهديدًا مباشرًا للوجود المسيحي والتراث الديني. وشكروا أهالي الطيبة ورجال الإطفاء الذين حالوا دون وصول الحريق إلى الكنيسة، وأعربوا عن دعمهم للكهنة المحليين في نداءاتهم لوقف الاعتداءات.

وأوضح البيان أن الهجمات تتعدى المواقع الدينية لتطال أراضي وممتلكات السكان، حيث أطلق مستوطنون مواشيهم للرعي عمدًا في الأراضي المسيحية، ما أدى لتدمير بساتين الزيتون ومنع وصول المزارعين إليها، بالإضافة إلى إحراق منازل ورفع لافتات تهديد مثل "لا مستقبل لكم هنا".

وجدد البطاركة تمسكهم بالحضور المسيحي في الأرض المقدسة، مؤكدين أن الكنيسة حافظت على وجودها لأكثر من ألفي عام، ورفضوا محاولات الإقصاء والتهجير، مشددين على أن الأرض قادرة على احتضان الجميع بسلام وكرامة.

وطالبوا السلطات الإسرائيلية بمحاسبة المتطرفين وفتح تحقيق شفاف في تجاهل الشرطة لنداءات الطوارئ، مؤكدين أن حماية الأماكن المقدسة واجب حتى في أوقات الحرب، وأن الإفلات من العقاب يشجع على تكرار الانتهاكات.

ودعوا الدبلوماسيين والسياسيين والمسؤولين الكنسيين حول العالم إلى رفع الصوت تضامنًا مع مسيحيي الطيبة لضمان بقائهم وتمكينهم من ممارسة شعائرهم بحرية وزراعة أراضيهم والعيش بأمان.

وختموا بيانهم بالتأكيد على صمود أهل الطيبة، مذكرين بكلمات كهنة البلدة: "الحقيقة والعدالة ستنتصران في النهاية"، مستشهدين بقول النبي عاموس: "ليجرِ الحق كالمياه، والبِرّ كنهر لا ينقطع".

الملك عبد الله الثاني يدين اعتداءات المستوطنين في الطيبة

كما ألقى غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث، بيانًا باسم جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، أعرب فيه عن إدانته الشديدة للاعتداءات الهمجية التي ارتكبها مستوطنون متطرفون مؤخرًا بحق كنيسة الخضر الأثرية والمقبرة المسيحية في بلدة الطيبة شرق رام الله، بإضرام النار عمدًا في محيطهما، في انتهاك صارخ لحرمة الموتى والمقدسات المسيحية، وللوجود المسيحي المتجذر في الأرض المقدسة.

وأكد جلالة الملك أن فداحة هذه الاعتداءات، إلى جانب الهجمات الممنهجة التي يشنّها المستوطنون يوميًا ضد الفلسطينيين في عشرات المدن والقرى والمخيمات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تستدعي موقفًا دوليًا حازمًا لوقف هذه الانتهاكات، خاصة في ظل الإبادة الجماعية المستمرة بحق الأطفال والنساء والمدنيين في قطاع غزة.

وشدّد جلالته على أهمية حماية المدنيين الفلسطينيين العُزّل ومقدساتهم، وضمان حقهم في العيش بحرية وكرامة على أرضهم، مشددًا على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، وعاصمتها القدس الشرقية.

بلدية الطيبة

وكان رئيس بلدية الطيبة سليمان خورية قد عبّر عن ترحيبه العميق ببطاركة ورؤساء الكنائس في القدس خلال زيارتهم التضامنية للبلدة، مؤكدًا أن هذه الزيارة تحمل أبعادًا روحية وإنسانية عميقة، وتمثّل موقفًا كنسيًا واضحًا في وجه الاعتداءات المتكررة التي تطال البلدة وسكانها.

وقال خورية، في كلمة ألقاها في بداية الزيارة: "نرحّب بكم في بلدتكم الطيبة، بلدة السيد المسيح له المجد. وجودكم اليوم ليس مجرد زيارة رعوية، بل هو موقف إيماني، وإنساني، وأخلاقي، يجسّد عمق الروابط التي تجمع بين كنائسنا ومؤمنيها".

وأضاف أن "الاعتداءات المتواصلة التي تتعرض لها الطيبة، كما العديد من بلدات الوطن، طالت المقدسات والأرض والإنسان، لكنها لم تمسّ إرادتنا"، مشيرًا إلى أن زيارة رؤساء الكنائس تؤكد للعالم أن "الطيبة ليست وحدها، بل معها الكنيسة الحيّة والمؤمنة".

وشدّد رئيس البلدية على أن هذه الزيارة تُعدّ "وقفة تاريخية تُسجّل في ذاكرة أبناء الطيبة لأجيال قادمة"، مؤكدًا التزام البلدة بقيم الإيمان والعيش المشترك، والصمود في وجه الظلم.

وقال: "نستذكر معًا كلمات الكتاب المقدس: لا يغلبنك الشر، بل اغلب الشر بالخير. ونحن، أبناء هذه البلدة، دعاة خير ومحبة وسلام".

واختتم كلمته بالقول: "بما أننا أبناء هذه البلدة ننتمي إلى كنيسة واحدة، مقدّسة، جامعة، رسولية، فأنتم أصحاب البيت، ونحن الزوّار. فأهلاً وسهلاً بكم في الطيبة".

الأب فواضله: "نحن هنا... لن نرحل"

في افتتاح زيارة بطاركة ورؤساء كنائس القدس إلى بلدة الطيبة، ألقى الأب بشّار فواضله، كاهن كنيسة المسيح الفادي للاتين، كلمة باسم كهنة البلدة، أمام الحضور الرسمي والديني والدبلوماسي. جاءت كلمته بمثابة شهادة حية على الألم، لكنها حملت في طياتها عناد الرجاء، ورفضًا صريحًا لمحاولات طمس الوجود المسيحي الأصيل في الأرض المقدسة.

استهل الأب فواضله حديثه بنداء من الإنجيل: "تعالوا وانظروا"، داعيًا الحضور إلى رؤية الطيبة لا كبلدة محاصرة، بل كقلب نابض بالإيمان والكرامة، وكشعب لا يطلب شفقة، بل يطالب بحقه في البقاء والعيش الكريم. وقال: "نحن لسنا غرباء، ولسنا بقايا عابرة، نحن الجذور الضاربة في هذه الأرض. الطيبة التي لجأ إليها يسوع، تُحاصر اليوم وتُحرق مقدساتها، لكننا نقولها بإيمان لا يتزعزع: لن نرحل. لن نصمت."

وصف الأب فواضله الاعتداءات التي تتعرض لها البلدة بأنها ليست حوادث منفصلة، بل سياسة ممنهجة تستهدف الأرض والمقدسات والبشر، مشيرًا إلى حرق الأراضي الزراعية، ومنع الأهالي من الوصول إلى أشجار الزيتون، واقتحام المنازل، وترهيب السكان بلا توقف. وأكد أن هذه الاعتداءات ترمي إلى تجريف الوجود المسيحي في موطنه، وأن الصمت الدولي إزاء هذه الممارسات بمثابة تواطؤ مع الظلم.

وأضاف: "ما نشهده اليوم في الطيبة ليس حالة استثنائية، بل مرآة صادقة لما تعانيه مدن وقرى الضفة الغربية كافة: من حصار وإغلاق، إلى مصادرة وترهيب وقتل. ومع ذلك، ورغم صغر حجمها، تُجسد الطيبة قصة شعب بأسره، يقاوم بالرجاء ويؤمن أن العدالة ليست حلمًا، بل وعد إلهي لا بد أن يتحقق".

وفي رسالة موجهة إلى الكنائس والمؤسسات والدول الحامية للوجود المسيحي، ناشد الأب فواضله بوقف فوري للاعتداءات الاستيطانية، وتفكيك البؤر غير القانونية المقامة على أراضي البلدة، وتوفير الحماية للمزارعين، خصوصًا في مواسم الزراعة والحصاد. كما دعا إلى دعم إنساني وتنموي مباشر ومستدام يرسّخ بقاء السكان في أرضهم، ويفتح أفقًا للأجيال الشابة التي تواجه خطر الهجرة وفقدان الأمل.

وأكد الأب فواضله أن الطيبة لم تعد مجرد بلدة، بل أصبحت خط الدفاع الأخير عن الوجود المسيحي الحيّ في الأرض التي مشى عليها المسيح، محذرًا من أن غياب التحرك سيحوّل الكنائس إلى مبانٍ بلا مؤمنين، والمدارس إلى صفوف فارغة، والأرض إلى حقل بلا مزارعين.

واختتم كلمته بعبارات من قلب الإيمان: "لا تخافوا"، "قالها المسيح، ونقولها نحن اليوم لأنفسنا والعالم. لا نخاف لأننا نؤمن، ونؤمن لأننا نحب، ونحب لأننا أبناء هذه الأرض المقدسة. وسنبقى فيها... مهما طال الليل".

وتلت الكلمةَ فقرةٌ عرض فيها فيلم قصير، سلّط الضوء على الاعتداءات المتكررة التي تتعرض لها بلدة الطيبة، موثقًا بالأدلة مشاهد من الهجمات التي نفّذها مستوطنون على الأراضي والمقدسات والممتلكات.

زيارة كنيسة الخضر

وتوجّه الحضور إلى كنيسة الخضر، مرورًا بثلاثة شهود عيان رووا تفاصيل الاعتداءات والهجمات التي شهدتها الطيبة مؤخرًا. وفي محيط الكنيسة، التي كانت إحدى أهداف الحريق الأخير، أُقيمت ترتيلة بيزنطية للعذراء مريم، وتليت فصول من الإنجيل، ورفعت صلوات جماعية من أجل السلام والعدالة والرجاء.

كما زار المشاركون الموقع الذي أُضرمت فيه النيران عمدًا بالقرب من المقبرة والكنيسة، في محاولة ترهيب موثقة.

 

 https://www.facebook.com/share/p/1B3WWE4hU5/لمزيد من الصور