تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

ميل غيبسون يبدأ تصوير فيلم "القيامة": مشروع سينمائي روحي يواصل درب "الآلام"

فيلم

روما - بدأ المخرج والممثل العالمي ميل غيبسون رسميًا تصوير فيلمه الجديد الذي يحمل عنوان ( The Resurrection of the Christ )، «القيامة»، والذي يأتي كامتداد روحي وفني لفيلمه الشهير «آلام المسيح» الصادر عام 2004، والذي لا يزال محفورًا في الذاكرة السينمائية والروحية لملايين المؤمنين حول العالم.
وقد انطلقت أعمال التصوير في استوديوهات تشينيشيتا الشهيرة في العاصمة الإيطالية روما، والتي طالما ارتبط اسمها بأعظم الإنتاجات التاريخية والكتابية في تاريخ السينما. ومن المنتظر أن تنتقل فرق التصوير إلى جنوب إيطاليا، حيث اختيرت مدن ماتيرا، جينوزا، غرافينا ولاتيرزا، وألتامورا لتشكل خلفية طبيعية للمشاهد، وهي المدن ذاتها التي احتضنت تصوير مشاهد فيلم «الآلام»، لما تحمله من طابع معماري وجغرافي يلامس روح الأرض المقدسة.
الفيلم الجديد لا يكتفي باستكمال القصة الزمنية لآلام الرب يسوع، بل يفتح أفقًا سينمائيًا ولاهوتيًا نحو أبعاد القيامة الميتافيزيقية والروحية، من خلال معالجة موضوعات مثل نزول المسيح إلى الجحيم، الصراع مع قوى الظلمة، سقوط الملائكة، وسرّ الفصح في بُعده الخفي واللاهوتي.
وقد أكد المخرج في تصريحات خاصة أن الفيلم ليس رواية تقليدية بل "محاولة لتجسيد الحقيقة اللا منظورة للعالم الروحي كما تعلنها الأسفار المقدسة وتقليد الكنيسة". ويرتكز المشروع على تأمل عميق في أسرار الخلاص والقيامة، يتجاوز البعد الزمني نحو تأويل رؤيوي للأحداث الفصحية، ما يجعل العمل مرشحًا لأن يكون واحدًا من أكثر المشاريع السينمائية المسيحية طموحًا في العصر الحديث.
وسيعيد الفيلم الجديد تقديم الوجوه ذاتها التي أحبها الجمهور في الفيلم الأول: حيث يعود جيم كافيزل لتجسيد شخصية الرب يسوع، ومايا مورغنسترن بدور السيدة العذراء مريم، وفرانشيسكو دي فيتو بدور الرسول بطرس. وحرص غيبسون على الاستعانة بتقنيات رقمية متقدمة لإعادة شباب الممثلين بصريًا، من أجل الحفاظ على ترابط بصري ودرامي مع الجزء الأول رغم مرور أكثر من عقدين على إنتاجه.
وقد تم تطوير السيناريو خلال سبع سنوات من العمل اللاهوتي والدرامي المكثف، بالتعاون مع فريق إبداعي ضم كتّابًا لهم باع طويل في الأعمال التاريخية، ضمن إنتاج مشترك بين شركتي Icon Productions وLionsgate، ما يتيح للفيلم حضورًا عالميًا واسع النطاق.
وفي لفتة تحمل أبعادًا روحية عميقة، توجه ميل غيبسون قبل انطلاق التصوير إلى جبل آثوس المقدس، حيث أقام في دير هيلاندار الصربي، أحد أبرز الأديرة الأرثوذكسية في شبه الجزيرة المقدسة. وقد اختار هذا الموقع من أجل الاختلاء بالصلاة، وطلب الإلهام الروحي والدعامة الداخلية لمشروعه الجديد، الذي يتناول في مضمونه أيضًا سرّ صعود الرب إلى السماوات، كمرحلة لاحقة لما بعد القيامة.
يُذكر أن دير هيلاندار تأسس في القرن الثاني عشر على يد القديسَين سمعان و سابا الصربيين، ويُعدّ من أعمق المراكز الروحية في التقليد الأرثوذكسي. وتأتي زيارة غيبسون إليه كمؤشر على سعيه لإضفاء بعد روحاني حقيقي على مشروعه، لا يقتصر على الجانب الفني أو التقني فحسب.
ويُتوقع أن يُحدث فيلم «القيامة» أثرًا كبيرًا في السينما المسيحية والعالمية على السواء، خاصة وأن غيبسون صرّح سابقًا أن هذا العمل سيكون «أهم فيلم في حياته»، من حيث رسالته الروحية ووقعه الوجداني.
وفي زمن تتلاشى فيه المعاني العميقة أمام طغيان الصورة، يبدو أن ميل غيبسون عازم على خوض مغامرة فنية روحية، تُعيد للسينما دورها النبوي في نقل الحقائق اللاهوتية الكبرى إلى وجدان العالم.