
باريس - في الأول من أيلول/سبتمبر الجاري، تسلّم الأب هوج دو ويلمون منصب الأمين العام الجديد لمؤسسة "عمل الشرق"، خلفاً للأب باسكال غولنيش الذي ترأس المؤسسة طوال خمسة عشر عاماً قادماً من خبرة طويلة ككاهن في أبرشية باريس. ومنذ عام 2010، قاد الأب غولنيش هذه المنظمة الكنسية العريقة التي تقدم الدعم للمجتمعات المسيحية في الشرق الأوسط وبلدان أخرى، إضافة إلى كونه النائب العام على "إكليريكية الكاثوليك الشرقيين" في فرنسا.
تخدم مؤسسة "عمل الشرق" منذ ما يقارب 170 عاماً المسيحيين في 23 بلداً، من فلسطين مرورا بالعراق إلى لبنان وأرمينيا وإثيوبيا وأوكرانيا، عبر مجالات التعليم والصحة ودعم الأكثر فقراً، في حضور أساسي إلى جانب جماعات غالباً ما تعيش أوضاعاً هشة.
وفي حديث ختامي عن مسيرته، استعرض المطران غولنيش أبرز محطات هذه السنوات، التي شهدت صعوبات كبيرة ولكنها حملت أيضاً علامات رجاء.
أزمات متكررة وفرص رجاء
يروي المطران أن ما طبع هذه المرحلة هو تكرار الأزمات في الشرق الأوسط. فبعد سينودس الكنيسة الكاثوليكية حول مسيحيي الشرق عام 2010، الذي كان لحظة أمل وشركة، وقع سريعاً الاعتداء الدموي على كاتدرائية السريان الكاثوليك في بغداد ثم على كاتدرائية الإسكندرية الأرثوذكسية. وتلتها أحداث "الربيع العربي" التي حملت آمالاً كبيرة، خصوصاً في مصر حيث عاش الشباب المسيحيون والمسلمون لحظات تضامن وأخوّة. لكن هذه التطلعات لم تثمر بالقدر المأمول.
للأب باسكال غولنيش
صدمة داعش وإرادة القيامة
عن صعود تنظيم "داعش"، يستعيد غولنيش مشاهد قريبة من خطوط المواجهة في العراق، حيث التقى عائلات مسيحية هجّرت قسراً من بلداتها بطريقة وحشية. ويصف التنظيم بأنه "تراجع حضاري جعل الحياة البشرية بلا قيمة". ومع ذلك، يشير إلى أن المسيحيين عاشوا أيضاً قوة إيمان فريدة، مثلما حصل في قره قوش قرب الموصل التي أعيد إعمارها بعد تحريرها، وإلى أن زيارة البابا فرنسيس للعراق عام 2021 شكّلت علامة بارزة على طريق القيامة والرجاء.
غنى الكنائس الشرقية والحوار
يشدد المطران غولنيش على أن خبرته في الشرق كشفت له غنى الكنائس الكاثوليكية الشرقية وتقاليدها، وأن الكنيسة اللاتينية ليست سوى واحدة من بين هذه الكنائس في شركة مع أسقف روما. كما لفت إلى أهمية الحوار المسكوني الذي يُعاش غالباً على مستوى المؤمنين أكثر من القيادات، إضافة إلى ثراء الحوار مع المسلمين بتعقيداته وتنوع تياراته.
تحديات السياسة والعدالة الاجتماعية
ويرى أن الشرق الأوسط، بصفته ملتقى طرق للعالم، يظل ساحة للتجاذبات الدولية بقدر ما هو مصدر غنى حضاري. واعتبر أن العقيدة الاجتماعية للكنيسة، التي صيغت في سياق غربي خلال القرن التاسع عشر، بحاجة إلى إعادة نظر لتتلاءم مع التحديات الخاصة بالمجتمعات الشرقية.

المسيحيون: إيمان راسخ وتشبث بالأرض
يحذر المطران من "استغلال مسيحيي الشرق" في النقاشات الغربية، مؤكداً أنهم أصحاب إيمان عميق، وارتباط متين بالأسرة والأرض، وأن هجرتهم ليست خياراً حراً بل نتيجة اضطرار وأوضاع قاسية، ما يستدعي مسؤولية دقيقة من المجتمع الدولي.
المهمة في أوكرانيا
ويتوقف أخيراً عند خبرته في أوكرانيا حيث زار مراراً مناطق الحرب، مؤكداً أنه لم يعد هو ولا فريقه من هناك "كما ذهبوا"، متأثرين بشجاعة الشعب الأوكراني وإيمانه رغم المعاناة والعدوان. واعتبر أن ما يعيشه الأوكرانيون يظل جرحاً مفتوحاً ومسؤولية كبرى أمام العالم.
المصدر: الفاتيكان نيوز – أوليفييه بونيل