
العالم - في زمنٍ تتقدّم التكنولوجيا بسرعة تتجاوز استيعاب الإنسان وتتحوّل من أداةٍ تقنيّة إلى مُحَفِّزٍ لتحوّلات اجتماعيّة وثقافيّة عميقة، يبرز سؤالٌ جوهريّ: أيّ قيادةٍ رعويّة تحتاج إليها الكنيسة لتُبقي نور الإنجيل مشتعلًا؟
مع دخول الذكاء الاصطناعيّ مجالات الحياة كافّةً، من ضمنها الحياة الروحيّة، لم يعد الراعي مصدرًا حصريًّا للمعلومة الدينية أو التربوية، وبات مدعوًّا إلى التحوّل من ناقل معرفةٍ إلى مميّزٍ للحقّ، وفق ما بيّن المطران بشّار متّي وردة راعي إيبارشيّة أربيل الكلدانيّة.
وأشار إلى أنّ القيادة الرعويّة النبويّة التي تحتاج إليها الكنيسة اليوم لا تقتضي تكرار ممارسات الماضي، بل استجابةً جديدة لمتطلّبات الحاضر بنَفَس الإنجيل ذاته. ففي زمن التحوّلات الهائلة، غدَت وسائل الاتصال الحديثة بيئات ثقافيّة تُعيد تشكيل وعي الإنسان، ما يفرض على القائد الرعويّ الخروج من منطق التلقين إلى منطق التمييز، مُرافقًا أبناءه ليفهموا ما يعيشونه، بجانب شرحه معتقدهم في ضوء الإنجيل.
وأضاف: «في عالم الذكاء الاصطناعيّ، يُمكن لأيّ شخص أن يسأل تطبيقًا فيحصل على معلومةٍ دقيقة. أمّا الراعي فليست مهمّته تقديم إجاباتٍ جاهزة، بل مساعدة المؤمنين في طرح الأسئلة الصحيحة؛ فالتمييز خدمةٌ لا تُنجزها أيّ خوارزميّة أو ذكاء مهما أنتج من معرفة سريعة، بل تحتاج إلى قلب تسكنه الحكمة؛ فالحكمة وحدها قادرة على إنتاج المعنى».
وتابع: «تحتاج الكنيسة اليوم إلى راعٍ ذي حضورٍ نبويّ: يرى ما لا يُرى، ويسمع ما لا يُقال، ويصل حيث لا يجرؤ الآخرون على التقدّم؛ فدور الراعي أن يشهد قبل أن يُدير، أن يكون حاضرًا كنبيٍّ يقرأ عطش القلوب لا كمديرٍ يوزّع المهمّات، ليكون قادرًا على إنبات الرجاء وبَلْسَمة الجراح والصلاة مع مَن فقد المعنى والإجابة عن التساؤلات العسيرة».
وذكّر وردة جميع المدعوّين إلى خدمة القيادة الرعويّة بكلمات بُطرس للمسيح عند باب الهيكل: «لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ، وَلَكِنِ الَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ: بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْش»، ليقرّوا بأنّهم لا يمتلكون مهاراتٍ قياديّة فذّة ولا حلولًا سحريّة لكلِ ما يواجهونه من أزمات وتحديّات رعويّة؛ وليضعوا يسوع المسيح نُصب أعينهم «معلِّمًا وموجِّهًا وقائدًا، نلجأ إليه ليعلّمنا كيف نكون شمعةً تضيء حياة الآخرين، وكيف ننحني ونُمسِك بأيديهم ونرافقهم ليكونوا قريبين من الله، فرحين مُسبِّحين».
المصدر: جورجينا حبابة، آسي مينا.