تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

بازيليك القدّيس مرقس... الملامح البيزنطيّة لتحفة البندقيّة

البندقية

البندقية - في ساحة القدّيس مرقس الشهيرة بمدينة البندقيّة الإيطاليّة، ترتفع بازيليك تحتضن في تاريخها الإرث الروحي والمادي للعالم البيزنطيّ. تشهد هذه التحفة المعماريّة على عصور من التلاقح الحضاري بين الشرق والغرب المسيحيَّين.

ارتبطت أراضي البندقيّة بالإمبراطوريّة البيزنطيّة بين القرنَين السابع والتاسع، لكنّ التبادل الحضاري بين الإمبراطوريّة الشرقيّة والمدينة الإيطاليّة امتد أكثر بعد.

بعدما حمل سكّان البندقيّة الإيطاليّة جثمان القديس مرقس الرسول في القرن التاسع من الإسكندريّة إلى مدينتهم، لحمايته من تدنيس قد يتعرّض له في مصر، بُنِيت لضريحه كنيسة كُرِّسَت على اسمه. وبُنيت كنيسة ثانية في الموقع عينه بعدما التهم الأولى حريق عام 976. وبعدها، بُنِيت كنيسة ثالثة دُشِّنَت عام 1094.

صليب يونانيّ وزخارف قسطنطينيّة

تحمل تحفة البندقيّة شكل صليب يوناني. واتّخذت الذراع العمودية للصليب الهندسيّ حجمًا أعرض من تلك الأفقيّة. وكُرِّس المذبح ناحية رأس الذراع العمودية. وتفتح سقفها خمس قبب بهيّة تذكّر بحضور الله وانفتاح السماء على الأرض.

زُيِّنت الكنيسة الثالثة بزخارف ورؤوس أعمدة طُلبت بشكل خاصّ من القسطنطينيّة. ومع ذلك، تلمع بالطراز الهندسي الرومانسكي، بخاصة في حيطان الحجر الفاصلة بينها وبين العالم الخارجي. ولإثراء المذبح، صُنِعت «بالا دورو» في القسطنطينيّة في أوائل القرن الثاني عشر، جسّدت عبقريّة الفنّ البيزنطي. وأضيفت إليها أجزاء أخرى في حقبات لاحقة، فصارت تضمّ قرابة 250 أيقونة مطعّمة بالمعجرة و1927 حجرًا كريمًا.

إضافات شرقيّة

عند محاصرة القسطنطينيّة ونهبها في الحملة الصليبية الرابعة عام 1204، تمكّن البندقيّون من رؤية الهندسة المعمارية الشرقية، فأرادوا لمدينتهم أن تشبه عاصمة الإمبراطوريّة. لذا، أضيفت إلى حيطان بازيليك القديس مرقس في القرن الثالث عشر ألواح رخام وأجزاء أخرى حُمِلَت من الشرق. وتعزّز ارتفاع القبب عبر خشب ورصاص كي تُشاهَد من عرض البحر.

وجُلِبت أيضًا إلى مدينة الجسور بعد الحملة الصليبيّة أربعة أحصنة برونزيّة وأيقونة العذراء جالبة الانتصارات وحافظات ذخائر وصلبان وكؤوس وصحون للقربان.

رداؤها الفسيفسائيّ

تزيّن حيطان الكنيسة اليوم نحو 8 آلاف متر مربّع من فسيفساء أغناها به البندقيّون طوال 8 قرون. وبينما أضيفت إليها في القرن الرابع عشر حياة العذراء مريم بفنّ الفسيفساء في كابيلا ماسكولي وارتفع فيها إيقونوستاس، أتى حريق كبير عام 1419 ليطوي صفحة تطوّرها البيزنطي مع عمّالٍ حضروا من توسكانا. وبدأ المبنى الأثري يتموضع فنّيًّا حيث هو جغرافيًّا، أي في العالم الغربي.

المصدر : الياس الترك / آسي مينا