تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مريم «أمّ الله» بشهادة الأرض والسماء

ام الله

رغم صعوبة فهمه وإدراك معانيه، يُعدّ لقب «أمّ الله» (باليونانيّة Θεοτόκος-Theotokos) من أجمل ألقاب العذراء مريم في العقيدة الكاثوليكيّة وأكثرها عمقًا ودقّة وأوثَقها ارتباطًا بسرّ التجسّد، إذ لا يُمكن الإيمان بأنّ يسوع هو الإله المتجسّد دون الإقرار بأنّ مريم هي بالفعل «أمّ الله». لكنّه، في الوقت عينه، أكثرها إثارةً للجدل أيضًا.

نشأ الجدل حول هذا اللقب عندما رفض نسطور، بطريرك القسطنطينيّة، إطلاق لقب «أمّ الله» على مريم، واقترح عوضه لقب «أمّ المسيح-Χριστοτόκος -Christotokos»، وحجّته أنّ العذراء أنجبت الطبيعة البشريّة للمسيح فقط، لا الشخص الإلهيّ. لكنّ التفسير الدقيق ينبغي أن يكون بعمقٍ روحيّ وبلغةٍ لاهوتيّة مفهومة، بعيدًا من لغة العلم والمنطق الإنسانيّ المحدود، كما أوضح الأب نويران ناصر الدومنيكيّ.

وبيَّنَ أنّ عقيدة «أمّ الله» هي أولى العقائد المريميّة وأساس التعليم الخاصّ بمريم في الإيمان المسيحيّ وسائر العقائد الأخرى، إذ «أُعلِنت في مَجْمَع أفسُس المسكونيّ عام 431، بالتزامن مع تأكيد المجمع وحدة يسوع في طبيعتَيه البشريّة والإلهيّة، إنسانًا وإلهًا معًا، وأمومة مريم له. فابن مريم هو ابن الله عينه».

جزءٌ لا يتجزّأ من الإيمان الكاثوليكيّ

وأورَدَ ناصر تأكيد المجمَع: «إذا لم يولد ابن الله بحسب الجسد من امرأة، فإنّ الله لم يصِرْ إنسانًا. لكن إن كان المسيح هو الله، وكانت مريم قد ولدته، فهي إذًا أمّ الله بالحقّ». وتابع: «هذا التعليم ثبّتَه لاحقًا مجمَعا خلقيدونية (451) والقسطنطينيّة الثاني (553م)، وأصبح جزءًا لا يتجزّأ من الإيمان الكاثوليكيّ».

يستند إيماننا المسيحيّ إلى الإنجيل الذي قال: «"هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ"، الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا». «يُعلِّمنا الإنجيل أنّ يسوع هو (عمّانوئيل-الله معنا)، وأنّ مريم (أمّ عمّانوئيل) فهي إذن "أمّ الله" التي حملت في جسدها كلمة الله الذي "صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا"» بحسب ناصر.

إزاء صعوبة فهم لقب «أُمّ الله»، «عقليًّا»، يحيلنا ناصر إلى «منطق الإيمان والكتاب المقدّس» لنتمكّن من استيعابه: «فالله نَفسُه أعطى مريم هذا اللقبَ على لسان الملاك جبرائيل القائل: "الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ"، في تأكيدٍ واضح أنّ هذا اللقب الذي نُطلقه على مريم العذراء لم يأتِ من فراغ. وقد تعزَّز بهتاف إليصابات الملهَمة من الروح القدس: "فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟"، لتتكامل شهادة الملاك السماويّة وشهادة إليصابات الأرضيّة في إعلان مريم أمًّا لله».

وختم ناصر بالتنبيه إلى أنّ مريم ليست «إلهة» ولا «نصف إِلهة» وليست قطعًا «صاحبة» كما يفكّر بعضهم بسطحيّةٍ وسذاجة. لكنّها أمّ المسيح يسوع، وهو ليس مُجرّد إنسانٍ كسائر البشر، بل هو إلهٌ حقٌّ كاملٌ، وإنسانٌ حقٌّ كاملٌ. وكان لا بُدّ لهذا الإنسان مِن أُمٍّ بشَريّة، وكان لا بُدّ لهذه الأُمّ أن تتميّز عن سائر البشر.

المصدر: آسي مينا / جورجينا حبابه