تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

وما زال النور غائباً

رفعت

الأردن- نبض الحياة: كتب الاب رفعت بدر-

أثار المايسترو الموسيقي الإيطالي ماركو موروني مشاعر المئات، حين نظم أمسية موسيقية "من أجل الأمل" في كنيسة قلب يسوع في تلاع العلي. شعر الحضور خلالها بأنهم "نفسوا" عن الأحزان في داخلهم، وعبروا عن محبتهم للشعب الفلسطيني الغائص في لجة الأوجاع اليومية، وباأخص في غزة الجريحة والصابرة والصامدة.

تضمن الحفل مقطوعات موسيقية شارك بأدائها المعهد الوطني للموسيقى، وأوركسترا موسيقات القوات المسلحة، وعازفة البيانو اللبنانية غريس أبو ظاهر، وعازفون من ميالنو جاؤوا خصيصًا، بالإضافة إلى عازف الفلوت المصري وسام أمين، فيما احتوى الكورال أيضًا على عدد من الجنسيات العربية واالجنبية. اما الأداء الفردي فتعاقبت عليه مغنية ومعلمة الموسيقى الأبورالية الروسية سفيتالنا ونجمة الأوبرا العالمية زين برهوم ودكتورة الموسيقى هبة عباسي، والبرازيلية ايزابيل جويا والإيطالية دانييال موروني.

إن الحدث المقام في الكنيسة، قرب مغارة الميلاد، والشجرة الميالدية المزدانة هذا العام بأعلام وكوفيات الأردن وفلسطين، قد وحد الأسرة البشرية لتقول بصوت واحد: لا للعنف–لا للحرب، لا للتنكيل بالناس، ولا لتجريمهم ولا لحرمان الأطفال والمسنين والنساء من أبسط الحاجات اليومية والأساسية.

وقد عبرت كذلك عن التضامن والإخاء الإسلامي المسيحي، في تكوين جبهة ثقافية وحضارية تقول بأن الدين هو فرح وسلام وإخاء ومحبة، ولا يمكن أن يكون حافزاً للعداء ولقتل الناس بحجة وعود توراتية تريد بناء قوة عسكرية باسم الدين وقتل الناس باسم وعود الهية.

عبرت الأمسية عن تقدير الناس للذائقة الموسيقية، والفنية والثقافية، وكذلك عن توجيه الموسيقى والفن الراقي ليكون عالمة تضامن إنساني وسياسي، وهذا من أروع صور التضامن والشعور الصادق مع الأخوة الفلسطينيين المتألمين. ومن كنيسة قلب يسوع في العاصمة عمان، صدر الحضور رسالة محبة ونور إلى كنيسة العائلة المقدسة في غزة، والتي يقيم فيها نازحون بالمئات، وجدوا فيها مالذهم ودفء شتائهم بالرغم من الظروف والتهديد اليومي. وهي تقيم قداسها اليومي، مع كاهنها المصري يوسف اسعد، على ضوء الشموع في ظل انقطاع الكهرباء اليومي المستمر. نعم ..ليس هنالك نور الا نور القلوب المزّينة بدورها بنور الايمان والرجاء.

لقد أراد من قاموا على هذا الحفل الموسيقي الراقي، مع ترانيم الميلاد التي اعتدنا عليها سنويا بظروف أفضل من هذه، ومنهم المركز الكاثوليكي للدراسات والاعلام ومطرانية اللاتين ووزارة الثقافة، وحضور عدد من النواب والسفراء أرادوا أن يقولوا، على أنغام نشيد موطني الخالد والذي يجد هذه الايام صدى جديدًا وتألقًا دائمًا كما كان عند تلحينه عام 1934. إن صوت الموسيقى سيعلو، ويعلو ويعلو إلى أن تصحو الضمائر وتجد نفسها قد وقعت طويلا في فخ كبير، وفي غياب نور وسيادة ظلم وظالم، يتبدى بتبرير قتل الأبرياء بحجة الدفاع عن النفس. ومن كنيسة القلب صدحت الحناجر بقوة لا مثيل لها، وباسم الشعب الفلسطيني السائر على درب الحرية، تقول مع شاعر فلسطين ابراهيم طوقان، وعلى انغام الحان اللبناني محمد فليفل: "لا نريد لا نريد.. ذلنا المؤبدا وعيشنا المنكدا، لا نريد بل نعيد مجدنا التليد .. "موطني موطني"

واختلطت الدموع مع االصوات المنشدة، وصار اليقين، نعم، ما زال النفق طويلا، والنور غائبا، لكّن الظلمة ستنجلي .حتما، وسيطلع يوما، وهو قريب باذن الله، نور الاستقلال والحرية.