
البصرة - كثيرًا ما يرد اسم كنيسة المشرق في مصادر عدّة مصحوبًا بصفة «نسطوريّة»، في إشارةٍ إلى تبنّي هذه الكنيسة العريقة تعليم نسطوريوس في عقيدتها الرسميّة بشأن شخص يسوع المسيح: الإله والإنسان. فهل كانت كنيسة المشرق نسطوريّةً حقًّا كما اتُّهمَت، أم إنّه خطأ فادح وقع فيه مستشرقون كثر وكتّابٌ من كنائس غربيّة؟
وعبر حوارنا مع راعي أبرشيّة البصرة والجنوب الكلدانيّة المطران حبيب هرمز الذي شدّد في مستهلّ حديثه على أنّ كنيسة المشرق لم تكن قطّ تابعة للبطريرك نسطوريوس الذي كان بطريرك القسطنطينيّة (428 – 431) وبالتالي لم يكن أبدًا أحد بطاركتها. وفيما عدا قلّة من لاهوتيّيها، لم تكن متبنّيةً فكره وتعليمه.
ماذا نعرف عن الهرطقة النسطوريّة؟
من أبرز تعاليم نسطوريوس اعتراضه على تلقيب العذراء مريم بـ«أمّ الله» مفضِّلًا استخدام لقلب «أمّ المسيح»، وفي إطار سعيه إلى البحث في طبيعة المسيح وعلاقته بالآب بغية التمييز بين طبيعته البشريّة (ناسوته) وطبيعته الإلهيّة (لاهوته)، اشتهر عنه الادّعاء بأنّ هناك شخصَين في المسيح: إلهيّ وبشريّ، ما عُدَّ حينئذٍ هرطقةً كونه مخالف للتعليم التقليديّ القائل إنّ المسيح شخصٌ واحدٌ ذو طبيعَتَين متّحدَتَين.
هل كان نسطوريوس نسطوريًّا؟
وأوضح هرمز أنّ مؤلّفات نسطوريوس أحرِقَت كلّها، ولم يبقَ بين أيدينا اليوم سوى كتاب وحيد وضعه في منفاه، موكّدًا «ليس في مضمونه أيّ من الأفكار المُرَوَّجة عنه، بل يخلو تمامًا ممّا يخالف الإيمان القويم. ما يشجّعنا على القول إنّ ما يسمّى الهرطقة النسطوريّة لا تعدو كونها مزاعم روَّجها الخصوم، لم تتبنّها كنيسة المشرق قطّ، ولا نجد حرجًا في الإعلان أنّ نسطوريوس نفسه لم يكن نسطوريًّا بالمعنى الهرطوقيّ للكلمة». ولم يكن نسطوريًّا بالمعنى الهرطوقيّ العقائديّ!
ما المشكلة إذن؟
أشار هرمز إلى أنّ مشكلة نسطوريوس الأساسيّة كانت أغلب الظنّ لغويّةً واصطلاحيّة، أكثر منها عقائديّة ولاهوتيّة، وكان حلّها ممكنًا بروح المحبّة لا باللَّعن، مُذَكِّرًا بأنّ البابا بولس السادس منع اللعنات عقب المجمع الفاتيكانيّ الثاني وعدَّ كلّ ما يُكتب، وإن عارض اللاهوت الرسميّ، رأيًا شخصيًّا لا يصحّ صبّ اللعنات على كاتبه.
لاهوت كنيسة المشرق الحقيقيّ
استشهد هرمز بما كتبه باباي الكبير في كتابه (الاتّحاد) موضحًا كريستولوجيا كنيسة المشرق الرسميّة: «ثمّة طبيعتان: إلهيّة وإنسانيّة متّحدتان في المسيح. لذلك، لا يوجد سوى ابن واحد وشخص واحد في الاتّحاد: كلمة الله، وهو متساوٍ مع الآب... لذا تسمّى مريم الطوباويّة أم الله وأمّ الإنسان».
من أين جاءت التسمية النسطوريّة؟
«اعتمدت كنيسة العراق على أبحاث بعض المستشرقين الذين لاحظوا وجود فكرٍ نسطوريّ متناثرٍ هنا وهناك في كتابات بعض اللاهوتيّين المتأثّرين به، فأطلقوا على كنيسة المشرق، غير المتّحدة بروما، ظلمًا، تسمية النسطوريّة. ومن المؤسف أنّ هذا الخطأ الفظيع ذاع وانتشر لدى المشرقيّين أيضًا إثر ترجمة أولئك المستشرقين» بحسب هرمز.
خلاصة القول إنّ كنيسة المشرق انقطعت عن الشركة مع الكنيسة الغربيّة لأسبابٍ سياسيّة خارجة عن إرادتها، لكنّها لم تتبنَّ أيّ فكرٍ لاهوتيٍّ مخالفٍ لإيمان الكنائس الرسوليّة القويم، الأمر الذي يؤكّده البيان الكريستولوجيّ المشترك الموقَّع عام 1994 بين البابا يوحنّا بولس الثاني والبطريرك دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشوريّة، فضلًا عن تبنّي الكنيسة الكلدانيّة المولودة من رحم كنيسة المشرق، تعاليم الإيمان القويم الكاثوليكيّة.
المصدر: آسي مينا / جورجينا حبابه