تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الكنيسة أمام مفترق طرق: هل تواصل نهج البابا فرنسيس أم تعود للتقاليد؟

البابا فرنسيس

بقلم: سند ساحلية

في خضم الأزمات العالمية التي تعصف بالبشرية، من حروبٍ وفقرٍ واضطهاد ديني، يبقى المسيحيون في انتظار كنيسة تكون صادقة في رسالتها للسلام والمصالحة. إن الكنيسة التي يتطلعون إليها يجب أن تكون، بجانب كونها روحية، أيضًا فاعلة في مجال العدالة الإنسانية، في مواجهة قضايا مثل حقوق الإنسان والسلام.

منذ تولي البابا فرنسيس (خورخيه ماريو بورغوليو) البابوية في 2013، ظهر نمط قيادي جديد: تواضع حقيقي، وإصرار على العدالة، واهتمام بالفقراء والمهمشين. لم يكن هدفه الشهرة، بل تحقيق رؤية واضحة للكنيسة كمؤسسة تدافع عن الإنسانية. بعد رحيله، تجد الكنيسة نفسها أمام مفترق طرق: هل ستستمر في نهج الرحمة والمساواة الذي أسسه البابا، أم ستعود إلى التقاليد القديمة؟ البابا كان دائمًا في مواجهة الضغوط ليظل متمسكًا بالحق والعدالة، فما الذي ستقرره الكنيسة اليوم؟ هل سيكون انفتاحها على المستقبل أم إغلاقها على الماضي؟

منذ بدايته، يمكن القول إن البابا فرنسيس يمثل نقلة نوعية في قيادة الكنيسة الكاثوليكية، حيث جسد نهجًا أكثر مرونة وشمولية، مع التركيز على الرحمة والعدالة الاجتماعية، كان مختلفًا عن سابقيه. رفض العيش في قصر الفاتيكان الفخم، واختار الإقامة في منزل بسيط، مؤكدًا أن القيادة لا تتعلق بالأبهة بل بالخدمة. كان دائمًا يفضل البقاء بالقرب من الناس، خاصة الفقراء والمهمشين، لدرجة أنه كان يغسل أقدام السجناء من مختلف الأديان. هذه الفلسفة في القيادة كانت تدور حول فكرة "الراعي يجب أن يشم رائحة خرافه".

البابا فرنسيس كان يؤمن بأن الكنيسة يجب أن تكون فقيرة من أجل الفقراء. كانت هذه الرؤية أكثر من مجرد كلمات، بل كانت جزءًا من كل قرار يتخذه. فقد جعل الرحمة محور رسالته، وأعاد تأكيد أهمية العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وأثنى على ضرورة فتح أبواب الكنيسة لكل من يشعر بالاستبعاد.

خلال فترة ولايته، أحدث البابا فرنسيس إصلاحات جوهرية داخل الكنيسة، ليس من أجل تحطيم التقاليد ولكن لتجديدها بما يتناسب مع تحديات العصر. شجع على تعزيز الحوار بين الأديان واحترام التنوع، بالإضافة إلى دعوته المستمرة لإنهاء العنف الديني والتطرف. كما عمل على تعزيز فكرة "الكنيسة المفتوحة" التي تحتضن جميع البشر دون تمييز.

إرث البابا فرنسيس لا يزال حاضراً في قلوب المؤمنين حول العالم. حتى في كلماته الأخيرة، عندما كان على فراش الموت، أكد أن "الكنيسة هي من أجل الناس، وليس من أجل الأقوياء". كانت هذه الكلمات دعوة دائمة لتذكير الكنيسة برسالتها الأصيلة التي تضع البشر في أولوياتها.

مع رحيله، أصبحت الكنيسة أمام مفترق طرق حقيقي. السؤال الذي يواجهها اليوم: هل ستتمسك بالمبادئ التي وضعها البابا فرنسيس، أم ستعود إلى الطرق التقليدية التي كانت سائدة قبل أن يبدأ مسيرته؟ هل ستستمر الكنيسة في تبني مفاهيم الرحمة والمساواة والعدالة الاجتماعية التي أسسها البابا، أم ستتراجع عن هذه المبادئ خوفًا من التغيير؟

إرث البابا فرنسيس يجعل الكنيسة أمام تحدٍ حقيقي: هل ستظل قادرة على التأثير في المجتمعات المعاصرة التي تتغير بسرعة؟ المسيحيون حول العالم يتطلعون إلى كنيسة قادرة على التوازن بين التمسك بالتقاليد الروحية والانفتاح على التحديات المعاصرة، مثل القضايا الاجتماعية، والفقر، والمساواة، وحقوق الإنسان، والمناخ.

إن ما تركه البابا فرنسيس من أسس لا يزال حيًا في الكنيسة اليوم، حيث يسعى الكثيرون لتوسيع حدود الكنيسة لتشمل الجميع، مع الحفاظ على هويتها المسيحية العميقة. الكنيسة التي يرغب المؤمنون في رؤيتها يجب أن تكون مرنة، وتستوعب التنوع الاجتماعي والديني، وفي ذات الوقت تواصل رسالة المسيح في عالم مضطرب.

في النهاية، لا شك أن البابا فرنسيس قد وضع أسسًا لتوازن دقيق بين الحفاظ على التقاليد والانفتاح على المستقبل. ولكن في ظل الظروف الحالية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستسير الكنيسة على نهج البابا فرنسيس، أم أنها ستعود إلى التقليدية التي قد تضمن الراحة ولكن تعزلها عن القضايا الكبرى التي تواجهها البشرية اليوم؟