تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأب دافيد شعيا: الانتحار مأساة صامتة والكنيسة صوت رجاء

الانتحار

بيروت - الانتحار صرخة صامتة ناجمة من ألم عميق. والكنيسة تعدّ الحياة عطيّة مقدّسة، لكنّها تنظر برحمة إلى من يمرّون بهذه التجربة. في هذا الإطار، يطلّ الأب دافيد شعيا، الراهب الأنطوني والمستشار في القانون الكنسي والباحث في العلوم اللاهوتية والليتورجية والفلسفية، ليشرح موقف الكنيسة من هذه المأساة.

يقول شعيا: «في الماضي كان يُنظَر إلى الانتحار على أنه خطيئة مميتة تُناقض الوصية الخامسة: "لا تقتل". وكان يُفهَم أنّ المنتحر يرتكب خطيئة مميتة وهو في كامل وعيه، فيموت بلا توبة، ما يعني انفصاله عن الله».

ويتابع: «لأنّ الصلاة الجنائزية تعبّر عن رجاء الكنيسة بقيامة الميت، كان يُعتبَر أنّ من غير اللائق أن تُرفَع على من مات رافضًا الله بفعل الانتحار. وعلى الصعيد الكنسي والاجتماعي، جاء هذا الامتناع وسيلةً تربوية وردعية للمجتمع، تحمل رسالة بأنّ الإنسان ليس سيّد حياته بل الله».

ويوضح: «بمرور الزمن، تطوّر موقف الكنيسة. فهي لم تعد تعدّ المنتحر بالضرورة رافضًا لله عن وعي كامل، إذ قد يكون مدفوعًا بمرض نفسي أو ألم روحي عميق يضعف إرادته. لذلك، يعلّم تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة (2280-2283): "لا يجوز أن نيأس من خلاص الذين انتحروا. الله وحده يعرف أفكارهم وقلوبهم، ويمكن أن يمنحهم إمكانية التوبة بطريقة سرّية لا ندركها". ومن الجانب الإنسانيّ، أدركت الكنيسة أنّ عائلة المنتحر تحمل ألمًا مضاعفًا فاختارت أن ترافقها برحمة».

ويُضيف: «هكذا، باتت الكنيسة تصلّي لأجل المنتحرين وتحتضن ذويهم، من دون أن تبرّر الفعل، تاركة الحكم لله وحده. كان الموقف سابقًا قائمًا على فهم صارم للخطيئة والحرّية الشخصيّة، ورسالة ردعية للمجتمع. أمّا اليوم، فالموقف صار أعمق لاهوتيًّا إذ بات يميّز بين الفعل والمسؤوليّة، وإنسانيًّا أصبح يحتضن المتألمين».

ويكشِف: «القانون الكنسي لا يفرض أيّ تقييد لحجم جنازة من أنهى حياته، والكنيسة لا تمنع إقامة جنازة كبيرة يشارك فيها المؤمنون، بل ترى في الحضور الواسع علامة تضامن ورجاء، ورسالة دعم للأهل».

ويردِف: «الدعم الروحي والدعم الاجتماعي ركيزتان لمساندة من يفكّر بالانتحار. المهم أن يشعر بوجود من يصغي إليه بلا أحكام. ويجب تشجيعه على طلب المساعدة وتذكيره بأنّ لحياته قيمة. ويساعد دمجه في جماعة داعمة أو نشاط اجتماعي على كسر عزلته».

ويختِم شعيا: «يا ربّ، اجعلني أسمع صوتك الذي يقول: "أنت ابني الحبيب، بك سُررت"، آمين».

المصدر: د.امال شعيا، آسي مينا.