Skip to main content

البابا: القديسون هم شهود لمحبة المسيح!

البابا

الفاتيكان - في عظته مترئسًا القداس الإلهي لإعلان قداسة الطوباويين إغناطيوس مالويان، وبيتر تو روت، وفينشينزا ماريا بولوني، وماريا كارمن رينديلِس مارتينيز، وماريا ترونكاتي، وخوسيه غريغوريو هيرنانديز سيسنيروس، وبارتولو لونغو، توقّف البابا لاوُن الرابع عشر عند أهمية الصلاة والإيمان، لأنَّ "الإيمان يتمُّ التعبير عنه بالصلاة، والصلاة الحقيقية تحيا بالإيمان".

في أجواءٍ مفعمةٍ بالإيمان والفرح، ترأس قداسة البابا لاوُن الرابع عشر صباح اليوم في ساحة القديس بطرس القداس الإلهي الذي أعلن خلاله قداسة سبعة طوباويين من ثلاث قارّات، قدّموا حياتهم شهادةً ساطعةً للمسيح عبر الإيمان والمحبّة والخدمة. وفي عظته، انطلق الأب الأقدس من سؤال الإنجيل: "متى جاء ابن الإنسان، أترى يجد الإيمان على الأرض؟"، ليجعل منه محور التأمل في هذا الاحتفال المهيب، مؤكدًا أنّ الإيمان هو أثمن ما يراه الرب في الإنسان، لأنه الرباط الحيّ الذي يوحّد السماء بالأرض. وأشار البابا إلى أنّ القديسين والقديسات الجدد — إغناطيوس مالويان، وبيتر تو روت، وفينشينزا ماريا بولوني، وماريا كارمن رينديلِس مارتينيز، وماريا ترونكاتي، وخوسيه غريغوريو هيرنانديز سيسنيروس، وبارتولو لونغو — هم شهودٌ لمعنى هذا الإيمان الذي لا يَخبو وسط ظلمات العالم، بل يضيء كـ "مصابيح تنشر نور المسيح في التاريخ".

قال الأب الأقدس أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، إنّ السؤال الذي يختم الإنجيل الذي أُعلن للتوّ يفتح تأملنا اليوم: "متى جاء ابن الإنسان، أترى يجد الإيمان على الأرض؟". هذا السؤال يكشف لنا ما هو الأثمن في نظر الربّ: الإيمان، أي رباط المحبة بين الله والإنسان. واليوم، يقف أمامنا سبعة شهود — القديسون والقديسات الجدد — الذين، بنعمة الله، أبقوا مصباح الإيمان مضيئًا، بل أصبحوا هم أنفسهم مصابيح قادرة على أن تنشر نور المسيح في العالم. وبالنسبة إلى الخيرات المادية والثقافية، والعلمية والفنية، فإن الإيمان يسمو عليها — لا لأن تلك الخيرات تُحتقر، بل لأنّها بدون الإيمان تفقد معناها. إن العلاقة مع الله هي الأهمّ، لأنّه هو الذي أوجد من العدم كلّ الأشياء في بدء الزمان، وهو الذي يخلّص من العدم كلّ ما ينتهي في الزمان. إنّ أرضًا بلا إيمان ستكون مأهولة بأبناء يعيشون بلا أب، أي بمخلوقات بلا خلاص.

تابع الحبر الأعظم يقول لهذا يتساءل يسوع، ابن الله المتجسّد، عن الإيمان: إن اختفى من العالم، فماذا سيحدث؟ السماء والأرض ستبقيان كما هما، لكن لن يبقى في قلوبنا رجاء؛ سيهزم الموت حرّية الجميع؛ وسيهوِي توقُنا إلى الحياة في العدم. بدون الإيمان بالله، لا يمكننا أن نرجو الخلاص. إن سؤال يسوع يقلقنا، نعم، ولكن فقط إذا نسينا أنّه هو نفسه الذي يوجهه. فكلمات الربّ تبقى دائمًا إنجيلاً، أي إعلان خلاص فرح. وهذا الخلاص هو عطية الحياة الأبدية التي ننالها من الآب، بالابن، وبقوة الروح القدس.

أضاف الأب الأقدس يقول أيها الأعزاء، لهذا بالضبط يتحدث المسيح إلى تلاميذه عن "وُجوبِ المُداوَمةِ عَلى الصَّلاةِ مِن غَيرِ مَلَل": فكما أننا لا نتعب من التنفّس، فلا نتعبنَّ هكذا أيضًا من الصلاة! وكما يعضد التنفّس حياة الجسد، كذلك تعضد الصلاة حياة النفس. فالإيمان في الواقع يتمُّ التعبير عنه بالصلاة، والصلاة الحقيقية تحيا بالإيمان. ويشير يسوع إلى هذا الرباط من خلال مثل: قاضٍ يصمّ أذنيه عن طلبات أرملةٍ تلحّ عليه، ولكنّ مثابرتها تدفعه في النهاية إلى العمل. للوهلة الأولى، تصبح هذه المثابرة مثالًا جميلًا لنا عن الرجاء، لاسيما في زمن التجربة والضيق.

تابع الحبر الأعظم يقول لكنّ مثابرة المرأة وسلوك القاضي، الذي يتصرّف رغم إرادته، يهيّئان لسؤالٍ استفزازيٍّ من يسوع: أَفَما يُنصِفُ اللهُ، الآب الصالح، مُختاريهِ الَّذينَ يُنادونَهُ نَهارًا وَلَيلًا؟ لنجعل صدى هذه الكلمات يتردّد في ضميرنا: إن الربّ يسألنا إن كنّا نؤمن بأنّ الله قاضٍ عادل تجاه الجميع. والابن يسألنا إن كنّا نؤمن بأنّ الآب يريد دومًا خيرنا وخلاص كل إنسان. في هذا السياق، هناك تجربتان تمتحنان إيماننا: الأولى تنبع من فضيحة الشرّ، وتجعلنا نظنّ أنّ الله لا يسمع صراخ المظلومين ولا يرحم ألم البريء. أما الثانية، فهي تجربة الادّعاء بأنّ على الله أن يتصرّف كما نريد نحن؛ فتصير الصلاة حينها أمرًا موجّهًا إلى الله، وكأننا نعلّمه كيف يكون عادلاً وفعّالًا.

أضاف الأب الأقدس يقول من هاتين التجربتين يحرّرنا يسوع، الشاهد الكامل للثقة البنوية. فهو البريء الذي، لاسيما في آلامه، صلّى قائلًا: "يا أبتِ، لتكن مشيئتك". إنها الكلمات عينها التي سلّمها لنا المعلّم في صلاة "الأبانا". ومهما حدث، يسلِّم يسوع نفسه كابنٍ للآب. ولهذا نحن، كإخوةٍ وأخواتٍ باسمه، نعلن: "إنّه لحقّ وعدل، واجبٌ وخلاصيّ، أن نشكرك في كلّ زمانٍ وفي كلّ مكان، أيها الرب، الآب القدّوس، الإله القدير الأزلي، بالمسيح ربنا".

تابع الحبر الأعظم يقول تذكّرنا صلاة الكنيسة بأنّ الله يقيم العدل تجاه الجميع، إذ يهب حياته من أجل الجميع. وهكذا، عندما نصرخ إلى الرب: "أين أنت؟"، تتحوّل هذه الصرخة إلى صلاة، فنعترف عندها أنّ الله هو موجود، حيث يتألّم البريء. إنّ صليب المسيح يكشف لنا عدالة الله، وعدالة الله هي المغفرة: فهو يرى الشرّ ويفديه، إذ يأخذه على عاتقه. عندما يصلبنا الألم والعنف، الكراهية والحرب، يكون المسيح هناك، على الصليب من أجلنا ومعنا. لا يوجد بكاء لا يعزّيه الله، ولا توجد دمعة بعيدة عن قلبه. إن الربّ يصغي إلينا، ويعانقنا كما نحن، لكي يحوّلنا إلى ما هو عليه. أما الذي يرفض رحمة الله، فيبقى غير قادر على الرحمة تجاه القريب. والذي لا يقبل السلام كعطيّة، لن يستطيع أن يعطي السلام.

أضاف الأب الأقدس يقول أيها الأعزاء، الآن نفهم أن أسئلة يسوع هي دعوة قويّة إلى الرجاء والعمل: متى جاء ابن الإنسان، هل يجد الإيمان في عناية الله؟ إنّه هذا الإيمان بالذات الذي يعضد التزامنا من أجل العدالة، لأننا نؤمن بأنّ الله يخلّص العالم بالمحبّة، ويحرِّرنا من روح الاستسلام والقدرية. فلنسأل أنفسنا إذن: عندما نسمع نداء من هو في ضيق، هل نكون شهودًا لمحبة الآب، كما كان المسيح تجاه الجميع؟ هو الوديع الذي يدعو المتكبّرين إلى الارتداد، هو البارّ الذي يجعلنا أبرارًا، كما يشهد بذلك القديسون الجدد اليوم: فهم ليسوا أبطالًا أو مدافعين عن مُثُل بشرية، بل رجالًا ونساءً حقيقيين.

وختم البابا لاوُن الرابع عشر عظته بالقول إنّ أصدقاء المسيح الأمناء هؤلاء هم شهداء من أجل إيمانهم، مثل الأسقف إغناطيوس شكر الله مالويان وأستاذ التعليم المسيحي بيتر تو روت؛ إنهم مبشرون ومرسلات، مثل الأخت ماريا ترونكاتي؛ ومؤسسات ملهَمات، مثل الأخت فينتشنزا ماريا بولوني والأخت كارمن رينديلِس مارتينِس؛ وبقلوبهم المتّقدة بالغيرة والتقوى، صاروا محسنين للبشرية، مثل بارتولو لونغو وخوسيه غريغوريو هيرنانديز سيسنيروس. لتساعدنا شفاعتهم في المحن، وليلهمنا مثالهم في دعوتنا المشتركة إلى القداسة. وفيما نحن نحجُّ نحو هذه الغاية، لنُصَلِّ بلا ملل، ثابتين في ما تعلّمناه وما نؤمن به إيمانًا راسخًا. وهكذا، يعضد الإيمان على الأرض رجاء السماء.