تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

عيد تقدمة الرب إلى الهيكل 2024

سرياني

الأرن - الأب فارس سرياني - ﴿مَا أَحَبَّ مَسَاكِنَكَ يا رَبَّ القُوَّات، تَشتَاقُ نَفسي إلى دِيارِ الرَّبّ﴾ (مز 2:84)

أَيُّهَا الإخوةُ والأخواتُ الأحبّاء في الْمَسيحِ يَسوع. نَحتَفِلُ في الثّاني مِن شهر شُباط، وبَعدَ مُرورِ أَربعينَ يَومًا عَلَى مِيلادِ الرّبِّ الْمَجيد، بِعيدِ تَقدِمَتِهِ إلى الهَيكل. إذْ صَعِدَ بِهِ أَبَوَاهُ إلى أورشليم، كَمَا يروي لَنَا البَشيرُ لوقَا، عَمَلًا بِوَصيّةِ الرَّبِّ وجَريًا عَلَى شَريعتِهِ الَّتي أَعطَاهَا لِمُوسَى، كَمَا وَرَدَ في سِفرِ الخُروج: ﴿قَدِّسْ لي كُلَّ بِكْرٍ، كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِن بَني اسرائيل، إنَّهُ لي﴾ (خر 2:13).

 

والأمرُ الّذي يَتَبَادَرُ إلى ذِهني وأَرغَبُ بالحَديثِ عَنهُ، بِنَاءً عَلَى هَذَا الفِعلِ الّذي قَامَ به يُوسفُ ومريَم، أَنَّنَا كَكَنيسةٍ كَاثوليكيّة، كَثيرًا مَا نُرمَى بِسِهَامِ الانتِقاد، نَظَرًا "للْطُّقوسِ والشَّرائِعِ والْمُمَارَسات"، الّتي نُرَاعيهَا ونَتَمسَّكُ بِهَا. ويَغفلُ العُذَّالُ والَّلائِمُون، أَنَّ الْمَسيحَ نَفسَهُ لَمْ يأتِ: ﴿لِيُبطِلَ الشَّريعَةَ والأنبِيَاء، بَلْ لِيُكْمِلَ﴾ (راجع متّى 17:5)، مُعْطِيًا إِيَّاها مَعنَاهَا الخَلاصيّ والكَامِل.

وعَليه، تَبقَى الطُّقوسُ والْمُمَارسَاتُ جُزءًا أَسَاسِيًّا في أَيِّ عِبَادَةٍ صَحيحَة، دونَ أنْ نَنْسَى أَنَّها وَسيلَةٌ لِتَقديسِ الجَوهَرِ وتَطهيرِ البَاطِن. فاللهُ أَيضًا لا يُريدُ طُقُوسًا صَمَّاءَ عَقيمَة، لا تُؤَدّي إلى تَوبَةٍ دَاخِليّة، ولا تَقودُ إلى طَهارَةِ القَلبِ، وصَفَاءِ الفِكْر، والسُّمُوِّ بالنَّفسِ نحوَ بَاريهَا. وهَذَا مَا يُفسِّرُ قَولَ السَّيد: ﴿إِذا كُنْتَ تُقَرِّبُ قُربانَكَ إِلى الْمَذبَح، وذكَرتَ هُنَاكَ أَنَّ لأَخيكَ علَيكَ شيئاً، فَدَعْ قُربانَكَ عِندَ الْمَذبَح، واذهَبْ أَوَّلاً فَصَالِحْ أَخَاك، ثُمَّ عُدْ فقَرِّبْ قُربانَك﴾ (متّى 23:5-24).

فَقَبلَ أَيِّة ممارَسَةٍ طَقسِيَّة، يَطلُبُ اللهُ مِنَّا الرَّحمَةَ والْمَغفِرَة، ويُريدُ مِنَّا التَّواضُعَ والْمَحبَّة، والإيمانَ والإحسَان، والحَنانَ والْرّأفَةَ. كَمَا يَقولُ الرّبُّ عَلَى لِسانَ هُوشَعَ النّبيّ: ﴿إِنَّمَا أُريدُ الرَّحمَةَ لا الذَّبيحَة، مَعرِفَةَ اللهِ أَكثَرَ مِنَ الْمُحرَقَات﴾ (هو 6:6). إذْ لا تَستَقيمُ العِبَادَةُ ولا تَصِحْ إلّا باستِقامَةِ القَلبِ والنَّفس، مِثْلَمَا أَنْشَدَ دَاودُ قائِلًا: ﴿قَلبًا نَقيًّا أُخلُق فِيَّ يا الله، وروحًا مُستَقيمًا جَدِّد في باطِني﴾ (مزمور 12:51).

وهَذَا مَا يَنْقُلُنا للتّأمُّلِ في شَخصِيَّتَينِ أَساسِيَّتينِ مِنْ شَخصِيَّاتِ هَذَا العَيد: سمعانَ الشَّيخ وحنَّةَ النَّبيّة. فَكُلاهُما كانَا مُلازِمَين لِمَكانِ العِبَادَةِ الطَّقسيَّةِ أَي الهَيكل، وكلاهُما كَانَا حَافِظَين لِشَريعةِ الرَّبِّ وعَامِلَين بِها، وكلاهُما كانَا مُتَّقِدَينِ بالإيمانِ مُتَّشِحَينِ بالتَّقوَى. وهَذا هو الهَدَفُ مِنْ كُلِّ طُقُوسِنَا ومُمارَسَاتِنَا: الاسْتِزَادَةُ مِنَ الإيمان، والامْتِلاءُ بتَقوَى الله، والنُّموُّ في محبِّتِهِ تَعَالى ومَحبَّةِ القَريب.

طُقُوسُنَا الجَميلَة يا أحِبَّة، تَصحُبُهَا كَلِمَاتُ الْمَزمورِ الثَّاني والأربعين: ﴿كَمَا يَشتَاقُ الأيِّلُ إلى مَجاري الْمِيَاه، تَشتَاقُ نَفسي إِلَيكَ يا الله. ظَمِئَتْ نَفسي إلى الإلهِ الحَيّ، مَتى آَتي وأَحضُرُ أَمَامَ الله؟﴾ (مز 2:42-3). هَذهِ الكَلِمَاتُ الْمُوحَاة، هِيَ مَا دَفعَ سمعانَ وحنَّةَ كُلَّ أَيّامِ حَيَاتَهما لِلحُضورِ أَمَامَ الرّبّ، وللالتِصاقِ به. وهِيَ مَا يجبُ أنْ يَدفَعَنَا، ويُحرِّكَ الشَّوقَ ويُلهِبَ الإيمانَ فينَا، في كُلِّ مَرَّةٍ نَصعَدُ فِيهَا إلى الكَنيسة، إلى مَذبَحِ العَلّي، إلى هَيكَلِ القُدُّوس، مُرنِّمينَ مَعْ صَاحِبِ الْمَزامِير: ﴿مَا أَحَبَّ مَسَاكِنَكَ يا رَبَّ القُوَّات، تَشتَاقُ وتَذوبُ نَفسي إلى دِيارِ الرّب﴾ (مز 2:84)، لِكَي نُلاقي الرَّبّ، كَمَا لاقَاهُ سمعانُ وكَمَا لاقَتهُ حنّة، بالفَرحِ والابتِهَاج، فَنَمتَلِئَ مِنهُ ونَستَزيدَ مِنْ مَعرِفَتِه، مِنْ خِلالِ تَنَاوُلِنَا مِنْ مَائِدَةِ كَلِمتِهِ الْمُقَدَّسَة، وسِرِّ جَسَدِهِ ودَمِهِ الكَرِيمَين.

 

وأخيرًا، نحنُ الّذين حُزنَا الإيمانَ بالْمَسيحِ الَّذي قَدَّمَ ذَاتَهُ لِأجلِنَا ذَبيحَةَ فِداءٍ، ونُعَايِنُ خَلاصَهُ كَمَا عَايَنَهُ سِمعانُ، وابْتَهَجَتْ بهِ حَنّةُ، نُقَدِّمُ بِدَورِنا حَيَاتَنَا بِرُمَّتِها لله، نَسألُهُ أن يُقَدِّسَهَا ويُبارِكَها، مِنَ الآن وحَتّى تِلكَ السَّاعةِ الّتي فيها: ﴿تُطلِقُ يا سَيِّدُ عَبدَك بِسَلام﴾ (لوقا 29:2)، لِيَحمِلَنا البَاري بَينَ ذِرَاعَيهِ، قائِلًا: ﴿أَحْسَنْتَ أَيُّهَا الخادِمُ الصَّالِحُ الأَمين! أُدْخُل نَعيمَ سَيِّدِك﴾ (متّى 21:25).