تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

عيد ختان ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح بالجسد

الاب بطرس

نبض الحياة- كتب الأب بطرس ميشيل جنحو: 

تحتفل كنيستنا بعد ثمانية أيام من ميلاد المسيح، في الأول من الشهر الأول من العام الجديد (الكنيسة لديها الأول من أيلول رأس السنة)، بحدث ختان المسيح. كان الختان بالنسبة للشعب اليهودي أمرًا طقسيًا، قام به يسوع مثل كل بني إسرائيل، في المسيحية لم يتم الحفاظ على تقليد الختان، حيث يُعتقد أن ضرورته ألغيت بتضحية يسوع الطوعية على الصليب وحل محلها ذبيحة يسوع على الصليب. لم يعد القانون الإلهي يطالب المسيحيين بالختان الرمزي ، أي الاعتراف بهذه الطريقة بقدرة الله المطلقة، بل تم تقديم علاقة أكثر مساواة مبنية على الحب. وقد ذكر الرسول بولس ذلك في رسائله: ويختتنون بأيدٍ غير مختونة في خلع جسد خطايا الجسد، بختان المسيح.

وأما أنا أيها الإخوة، فإن كنت مختونا عندما أبشر، فماذا لو اضطهدت؟ لذلك أزيلت عثرة الصليب... لأن كل ناموس في كلمة واحدة يتم في أن تحب قريبك كنفسك (غل 5: 11، 14).

وما فائدة احتفال الكنيسة الأرثوذكسية به؟ سؤال يطرح نفسه بشكل أو بآخر بشكل عفوي فينا جميعًا. بهذا الاحتفال نكرم حدثا في حياة المسيح، مهم من حيث أنه ينتمي إلى حالته الدينية ومن حيث أنه يدل على وقت تسميته، عندما اتخذ اسم يسوع وتحققت نبوة الملاك أن الابن الذي ستلده مريم بهذا الاسم. آباء كنيستنا في حدث ختان الرب يكشفون لنا رسالة مهمة، رسالة الطاعة. يُختتن الطفل الإلهي، ويتعرض لخطيئة مذلة ومؤلمة ومثيرة للاشمئزاز، مثل الختان، لكي يطيع الناموس، ويعلن الخضوع لإرادة الله أبيه، على الرغم من أنه كابن لا يحتاج إلى أن يتألم أيضًا. الخطيئة أو الخضوع. إن حقيقة الختان تكشف عن إجابة روحية عالية لسؤال لماذا نحتفل بالختان. بهذه الشريعة التي شرعها الله لإبراهيم في العهد والميثاق الذي قطعه معه، وضع علامة مرئية لا تمحى على جسد مؤمنيه، لتذكيرهم باستمرار علاقتهم مع ربهم. كما أن من يريد أن يضمن ماله يضع ختمه الشخصي، علامة خاصة به على ما هو له، كذلك ميز الله أغنياءه بالختان، ليظهر لهم ولغيرهم من الشعوب أنهم ملكه. لذلك فإن الختان يظهر حضور الله، ويعلن طاعة الإنسان، ويفترض الإيمان، ورابط الثقة المطلقة بين الرب والمؤمن. ولا يمكن إلغاء هذه المفاهيم المقدسة بإلغاء النوع. وبما أن المسيح قد خُتن، فإن جميع المسيحيين يُختتنون باسمه، والختان كعلامة على جسدنا ليس له معنى وقيمة.

لدى جميع المسيحيين الختان غير المصنوع، الذي نقبله بسر المعمودية والمسحة ونجدده بسر التوبة والاعتراف. في هذه الأسرار نعقد جميعًا اتفاقًا مع الله، عهدًا، نعلن أنفسنا عبيدًا للرب ويختمنا الرب بنعمته، لنكون له، نعترف بالخضوع ونقبل التبني، وننبذ الشيطان وننضم إلى المسيح. هذا هو معنى عيد ختان المسيح الذي يحتفل به في الأول من كانون الثاني (يناير).

يخاطب القدّيس كيرلس الإسكندري المؤمنين في عظته حول هذا العيد:

لقد جئتم بفرح إلى هذ العيد، فلنحمل مشاعلنا ببهجة ولنتأمل بوقار ما قد تمّمه الرّب في هذا اليوم، ممّا يوطّدنا في الإيمان والتقوى.

بالأمس القريب، رأينا عمانوئيل طفلاً في المذود ملفوفًا في الأقمطة بطريقة بشرية، لكن مسبّحًا كإله من الملائكة القدّيسين الذين أعلنوا للرعاة عن ولادته.

وقد رأيناه اليوم مطيعاً لأوامر موسى، أو بالأحرى رأيناه، هو الله الذي سن الشريعة، يخضع لأوامره الخاصة. كم هذا مذهل وعجيب.

يخبرنا بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية كيف الوارث ما دام قاصرًا ، وانما اقول ما دام الوارث قاصرًا يبقى تحت الوصيّة إلى حين يأتي الوقت المحدد. " ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امراةٍ مولودًا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني" (غلا 3:4-4).

هكذا، فإن المسيح قد افتدى أولئك الذين كانوا خاضعين للناموس بطاعته " كما بمعصية الإنسان الواحد جعل الكثيرون خطأه، هكذا أيضاً بإطاعة الواحد سيجعل الكثيرون أبراراً" (رو 19:5).

وهكذا أحنى الرّب الخالق عنقه للناموس بمعيّتنا لأنّه كان ينبغي أن يتمّم كلّ برّ. لقد اتخذ صورة عبد، واضعاً نفسه تحت نير الطبيعة البشرية، ودافعاً الجزية لجباة الضريبة، مع كونه الله المتجسّد وغير ملزم بذلك.

فلا تتعجبوا إذا ما رأيتموه يتمّم أوامر الناموس، ولا تصنفوه مع العبيد، بل بالأحرى تأملوا عمق تدبير الخلاص.

في اليوم الثامن، يوم ختانة الصبي حسب أوامر الناموس، أخذ اسمه يسوع ، الذي يعني الله يخلّص. ومن يقتبله يصبح إبنًا له بالتبنّي.

إلى أية أسرار يقودنا هذا الحدث؟

"ليس الختان شيئاً، ولا القَلَف" (1 كور 19:7). ورُبَّ معترض: أيُعقل أن يكون إله الكل قد سنّ، عن طريق موسى، وصيًة لا قيمة لها؟ بل أيعقل أن يعاقب الذي يتخطّاها؟

بالطبع لا، ولكن كان الله يحضّر الإنسان بالطاعة والوفاء والالتزام. فعندما كان الذكر يُختن  كان يُصبح ابنًا لابراهيم، والبنوّة هنا لا تعني الارتباط الجسدي أو القبلي أو العشائري أو السبطي إنمًا هو إرتباط وعهد مع إله ابراهيم، هو التزام مع سيّد ابراهيم،ولهذا الإله وصايا ومسلكيّة وصلاة.

فإن الختانة أي نزع قطعة من الجسد لا تعني بحدّ ذاتها شيئاً، لكنها تشكّل علامة البنوّة روحيًا وجسديًا :" اسمع يا اسرائيل.الرّب الهنا رّب واحد. فتحب الرّب الهك من كلّ قلبك ومن كلّ نفسك ومن كلّ قوتك. ولتكن هذه الكلمات التي انا اوصيك بها اليوم على قلبك وقصّها على أولادك وتكلّم بها حين تجلس في بيتك وحين تمشي في الطريق وحين تنام وحين تقوم  واربطها علامة على يدك ولتكن عصائب بين عينيك، واكتبها على قوائم ابواب بيتك وعلى ابوابك (تثنية 4:6) "  وها اليوم في المعمودية نحن نقول الشيء نفسه ونلتزم بالرّب يسوع المسيح إلهًا وربّا لحياة مقدّسة.

اليوم مطلوب أن نختن روحيًّا. نخلع إنسان الشهوات وإنسان الملذّات لنلبس المسيح. ( القدّيس يوحنا الدمشقي).

فعندما قال لنا الرّب " اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 19:28) عنى بذلك ألبسوهم ما لبستم وعلّموهم ما تعلّمتم وكونوا لهم مثالًا وقدوةً ولا تنسوا فاقد الشيء لا يعطيه.

هذه هي مسؤوليتنا اليوم لا بل دينونتنا.

في المعمودية المقدسة يجعلنا المسيح شركاء في الروح القدس. الغاية إذًا في عمليّة تطهيرٍ كاملة روحيّة وجسديّة، إنّه موعدنا مع الله: "  فاذ لنا هذه المواعيد أيّها الأحبّاء لنطّهر ذواتنا من كلّ دنس الجسد والروح مكمّلين القدّاسة في خوف الله" (اكو1:7).

في اليوم الثامن اخُتن المسيح، واقتبل اسمه. واليوم الثامن بالنسبة لنا هو يوم الخليقة الجديدة، يوم الملكوت الذي حقّقه يسوع بقيامته.

ونحن أيضًا لنا يومًا ثامنًا إن شئنا. نحن أيضًا نستطيع أن نكون خليقةً جديدة مع الرّب إن قمنا معه.

 

الطروباريات

طروباريَّة القيامَة باللَّحن السَّابِع

حَطَمْتَ بِصَلِيبِكَ الموتَ وفَتَحْتَ لِلِّصِّ الفِرْدَوُس، وحَوَّلْتَ نَوْحَ حَامِلَاتِ الطِّيبِ، وأَمَرْتَ رُسُلَكَ أَنْ يَكْرِزُوا بِأَنَّكَ قَدْ قُمْتَ أَيُّهَا المسيحُ الإله، مَانِحًا العَالَمَ الرَّحْمَةَ العُظْمَى.

طروباريّة ختانة ربّنا يسوع المسيح بالجسد باللحن الأوّل

أيّها الربّ الجزيل التحنّن، إنّك وأنتَ إلهٌ بحسب الجوهر قد اتّخذتَ صورةً بشريَّةً بِدُونِ استحالة، وإذ أتممتَ الشريعة قَبِلْتَ بِاختيارِكَ ختانًا بَشَريًّا، لكي تنسخ الرسوم الظّلّيّة وتُزِيلَ قِناع أهوائنا، فالمجدُ لِصَلاحِك، المجدُ لِحنانِك، المجد لِتَنازُلِكَ الذي لا يُوصَفُ أيّها الكلمة.


طروباريّة القدّيس باسيليوس باللحن الأوّل

إلى كلِّ الأرض القابلةِ أقوالَك، أيّها الأبُ البارُّ ذهبَ صوتُك، الذي بهِ حدَّدْتَ العقائدَ تحديدًا يَليقُ بالله، وأعلَنتَ طبيعةَ الكائنات، وثقَّفتَ أخلاقَ البشر، يا ذا الكهنوتِ المُلُوكيِّ باسيليوس. فتشفَّعْ إلى المسيح الإله أن يُخَلِّصَ نفوسَنا.

قنداق ختانة ربّنا يسوع المسيح بالجسد باللحن الأول

إنّ سَيِّدَ الكُلِّ يَحتَمِلُ الإهانة، فيَختُنُ زَلّاتِ البَشر بِما أنَّه صالحٌ، وَيَمنَحُ اليومَ الخلاصَ لِلعالَم، فَيَبتهِجُ في الأعالي رئيسُ كهنةِ الخالق المتوشِّحُ بالضياء، مُسارُّ المسيحِ الإلهيُّ باسيليوس.