تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

ومال زال الفرح غائباً

رفعت بدر

نبض الحياة- مقال للأب رفعت بدر-

في هذا الشهر من كل عام، كانت شوارعنا وساحاتنا العامة، وبوابات الكنائس والفنادق، تلبس حللاً فائقة الجمال، استعداداً لعيد الميلاد المجيد، الذي أصبح منذ عام 1999 عيداً مجتمعياً شاملاً وعطلة رسمية لجميع المواطنين. 

ولعلّ الغائب الاكبر في هذا العام هو الفرح، وبالأخص في فلسطين والأردن، اللتين أعلن مجلس رؤساء الكنائس في كل منهما الى إزالة مظاهر العيد الخارجية والاكتفاء بالصلوات والترانيم داخل الكنائس. 

هذا عمل تضامني بامتياز، وهو قبل أن يكون أوامر تقدمها مجالس رؤساء الكنائس، هو مطلب شعبي، وجاء تعبيراً عن غصة في نفس كل انسان صادق يشاهد ازهاق الأرواح في غزة من جراء العدوان، ولم يعد له نفس في الأفراح الخارجية. وبالفعل، فقد أزيلت زينة الميلاد الدائمة في ساحة المهد، ومدينة الميلاد التي كانت تضع زينة دائمة وتضيء شجرة الميلاد في هذه الأيام. لكن سقوط العديد من الشهداء على أرض فلسطين وتهجير العائلات بعد هدم بيوتها، ووجود الألوف المؤلفة من الأشخاص الجرحى والمصابين، جعل قرارات مجلس الكنائس تعبر عما يشعر به المسيحييون في هذه الأيام، وهي: كيف نفرح وأهلنا ما يزالون تحت العدوان الذي لم يشبع ولم يرتو بعد من الدماء؟ 

ولعلّ أطفالنا هم الذين يتألمون بشكل أكثر من غيرهم، فهم ينتظرون في كل عام وبفارغ الصبر زيارة سانتاكلوز (بابانويل) في بيوتهم ومدارسهم لكي يشيع في نفوسهم البريئة بعضاً من الفرح والابتهاج، على أنغام ترانيم فيروز الميلادية وموسيقى الفرق الكشفية التي ستسير هذا العام من دون استعراض بالاتها الموسيقية. لقب سلب العدوان هذا الفرح من نفوس الناس، وبالاخص الأطفال، وبدلاً من قوافل الميلاد التي كانت تجوب شوارعنا في كل عام، فاننا نجد الفرح ينضم الى قائمة الغائبين، وهم: السلام والعدالة والمحبة والحقيقة والضمير والأمل. 

وبالرغم من وجع الغياب، فإنها مناسبة لتعميق الغوص في أعماق روح عيد الميلاد المجّيد، من خلال الصلوات والترانيم والفرح الداخلي الذي لا يستطع أحد أن ينتزعه من النفوس. وهي مناسبة أيًضا لتعميق قيم التضامن لدى النشء الجديد، والأخص الأطفال الذين يشعرون بلا شك بالحرمان من أمورهم الجميلة والمشيعة للفرح في النفوس، لكنها مناسبة لتشجيعهم على تنمية قيم المحبة والتضامن حيال ما يجري ضد أقرانهم وأبناء جيلهم في غزة، وذلك في أن يقدم المرشدون الروحيون والمعلمون في المدارس الأمر بشروحات مصورة على قيمة التضامن وزرعه وتنميته، .وليس كأنه حرمان، وانما كعالمة محبة ونظرة أخوية تجاه جميع من يتألمون.

في هذه الأيام، استضافت كنيسة قلب يسوع في تالع العلي فعالية نظمتها مؤّسسة "إرادة روح للتنمّية البشرّية"، وفيها قدم الأطفال الأحباء من مرضى السرطان أغانٍ وأناشيد من أجل غزة العّزة. فهل نريد أن نبحث خارجًيا عن أفراح وزينة ميالدّية أكثر من هذه المشاعر الصادقة التي تعب عليها المدربون وحضروا لها جيدا، وقدمها الأطفال الأحباء، بحناجرهم البريئة، ومنهم الناجون من المرض الخبيث، ومنهم ما زالوا في رحلة العلاج، ونطلب لهم الشفاء منه. كما نطلب لغزة وفلسطين الشفاء من الاحتلال فهو أشنع من الخبيث، ولن تهدأ منطقتنا، لا بل والعالم الا باستئصاله والتحرر منه.

نعم الفرح ما زال غائبا، لكّن التضامن وعدم اليأس سيعيدانه، وسيعّيدان معه، لتنطلق من كل الحناجر ترنيمة الفرح الميلادي.هذا هو اليوم السعيدjoy to the world.