ومع قرابة السنة منذ السابع من تشرين الأول 2023، من الصعب تصديق أن الحرب في غزة ما زالت مستمرة، وأن جبهة جديدة تبدأ في لبنان لتقود نحو حرب شاملة، أي إلى مزيد من الدمار وفقدان الأرواح البريئة. لو جُمعت هذه الأموال التي تُنفق على الأسلحة من أجل البناء والتنمية، لكانت منطقتنا في وضع أفضل بكثير. الشعب مستعد للسلام، ولكن للأسف فإن القيادة الفاشلة من جميع الأطراف لا تعمل، على الأقل في الوقت الحالي، على تحقيق الرغبة في حياة تتميز بالعدالة والمساواة والاحترام والتعايش والحرية لكل من يعتبر منطقتنا موطنًا له.
ومع قرابة السنة! وإشارة إلى الإحصاءات الواردة من غزة، نرى أن العالم قد نسي أن هناك حياة خلف كل رقم. هذه الإحصاءات تشمل أكثر من 41,000 شهيد، منهم 60٪ من النساء والأطفال؛ قرابة 100,000 مصاب؛ نظام صحي وتعليمي مدمر؛ أكثر من 60٪ من المساكن و68٪ من شبكات الطرق مدمرة؛ ولا توجد بنية تحتية تشمل الكهرباء والمياه والصرف الصحي والاتصالات؛ ومساعدات إنسانية محدودة للغاية وتتدفق بصعوبة؛ ناهيك عن الظروف المعيشية البائسة حيث تم تشريد 1.9 مليون من أصل 2.3 مليون شخص يعيشون في الشوارع ويضطرون للانتقال من "ما يسمى مناطق إنسانية" إلى أخرى دون أي اعتبار لما يعنيه ذلك. أضف أنه مع تصاعد جبهة لبنان، من يفكر في غزة بعد الآن حيث تم تطبيع هذه الحرب في أعين الكثيرين حول العالم وأصبحت ببساطة منسية. كما أنه بينما كانت الأنظار موجهة إلى غزة خلال معظم العام الماضي، ماذا عن المعاناة والظلم الذي يحدث يومياً في الضفة الغربية؟ مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات والعنف الاستيطاني المستمر، وضم الضفة الغربية بوتيرة متسارعة، والشيء الوحيد المتبقي هو شرعنته.
ومع قرابة السنة! أصبح من الواضح أن الكنيسة دائماً تتقدّم الجميع في ظل الصراعات والحروب، وتكون في طليعة من يقف مع الشعب، وتشاركهم معاناتهم وتساندهم روحياً ومن خلال الدعم المادي. منذ بداية الحرب، لم يُترك حجر دون أن يُقلب لتوفير كل وسائل البقاء لإخواننا وأخواتنا في غزة، بما في ذلك المأوى، والغذاء، والماء، والدواء، والاحتياجات الشخصية، ناهيك عن التعليم العلاجي المتواضع، وكل ذلك تم تحت خط النار والخطر وبفضل أبطالنا في غزة الذين كرسوا حياتهم من أجل العطاء والمساعدة. في الضفة الغربية، بُذلت الجهود منذ بداية الحرب لتوفير قسائم الطعام، والدعم النقدي، ودعم الأقساط الدراسية، ودفع الإيجارات والفواتير، بالإضافة إلى الدعم الطبي. ومع استمرار الحرب وفقدان الوظائف لفترة طويلة، أُطلِقت عدة برامج لخلق فرص العمل والتمكين وبناء القدرات ليتمكنوا من توفير دخل بكرامة وتحقيق حياة كريمة في ظل هذه الظروف الصعبة. استفاد ما يقرب من 13,000 شخص من هذه البرامج المختلفة، وسيتم بذل الجهد لمواصلة مثل هذه البرامج طالما دعت الحاجة إليها.
ومع قرابة السنة، نسعد أنه بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية، لم نغفل عن مسؤولياتنا تجاه الواجب التعليمي. فقبل أسابيع قليلة، عاد ما يقرب من 19,500 طالب إلى مقاعد الدراسة في 44 مدرسة تابعة للبطريركية اللاتينية، يخدمهم أكثر من 1,700 معلم، حيث تطبق القيم المسيحي في هذه المدارس ولا نكتفي بتعليميها. فمن خلال مدارسنا، نسعى إلى بناء لغة السلام، والعدالة، والتعايش، والمحبة، والاحترام، والتسامح، والغفران على نقيض ما نسمعه في الطرقات العامة من مشاعر الكراهية، والانتقام، والقتل! فهذه هي الطريقة الوحيدة لمساعدة مجتمعنا على الخروج من الحفرة العميقة التي يجدون أنفسهم فيها.
ومع قرابة السنة! لا نغفل أبداً عن البُعد الرعوي والحاجة الملحة لتعزيز الإيمان كوسيلة لعدم فقدان الأمل. ظهرت عدة مبادرات منها: النجاح الكبير الذي حققه مركز التنشئة الروحي للعلمانيين الذي أنشاءه المعهد الإكليريكي في بيت جالا. جميع هذه الدورات التي قُدّمت منذ بداية الحرب كانت محجوزة بالكامل، وتم الآن توسيع الدورات لتشمل القدس ورام الله. تم إطلاق مركز راعوية العائلة في بيت جالا مع مركز فرعي في رام الله، أسوة بمركز العائلة في عمان، وقريباً في حيفا. بالإضافة إلى ذلك، تم افتتاح مركز بيلسان للإرشاد في بيت لحم في حزيران الماضي، وقد تجاوزت الاستشارات الفردية والجماعية جميع التوقعات خلال الأسابيع الأولى من تشغيله. بالإضافة إلى مختلف النشاطات الرعوية من مخيمات صيفية، والشبيبة والكشاف، ومكتب التعليم المسيحي وغيرها. نعتز بوجودنا مع الناس والعمل على تلبية احتياجاتهم الروحية اليومية.
ومع قرابة السنة، لا يسعنا إلا أن نكون ممتنين لآلاف المتبرعين من جميع أنحاء العالم الذين وضعوا ثقتهم في البطريركية اللاتينية لتقديم الدعم اللازم لجماعاتنا المسيحية وغيرها، من خلال الأنشطة الإنسانية والتعليمية المختلفة. لقد نجت الكنيسة دائماً من الحروب والأزمات وخرجت منها أقوى. ولن تكون هذه الحرب استثناءً!
سامي اليوسف /الرئيس التنفيذي للبطريركية الاتينية /القدس