
غزة- نبض الحياة- اليوم الخامس والستون للحرب على غزة، 10 ديسمبر 2023
اتصل صديقٌ ليسأل "هل ما زلتِ في مكانك؟" أجبته "نعم"، قال "أين ستغادرين؟ علمت أن جيش الاحتلال يطالبكم بالمغادرة"، ولنفس السبب اتصلت ابنتي لتخبرني بأن عائلة صديقتها الموجودة في أحياء مدينة غزة الشرقية حائرون إلى أيّ حيٍّ آخر في مدينة غزّة يغادرون، وهي قلقة إذا كنت سوف سأغادر مكاني الحالي، وإلى أين، ولماذا لا أغادر. وتسألني إحدى الزميلات أيضًا إلى أين عليها أن تغادر، وفي بيتها أربع عائلات نزحت تستجير بها، وأين ستجد مكانًا لتغادر إليه؟
تأمّلت في الأمر وتناقشت مع صديقتي وقريبتي، وتبيّن أننا متفقاتٌ على عدم المغادرة حاليًا، لأننا نشعر أن المدينة كلّها مستهدفة وأحياءها الغربية المطلوب منا النزوح إليها مدمرةٌ بالكامل، ونحن لا نعرف أحدًا يمكننا اللجوء إليه، فكلّ من نعرفهم اضطروا للرحيل إلى الجنوب. أيضًا قالت إحدى القريبات التي لجأت إلينا بعد استهداف منطقتهم بالصواريخ وقذائف المدفعية، أنها قبل مجيئها إلينا حاولت مع عائلتها الذهاب إلى حيّ الرمال غرب غزة حسب توجيهات جيش الاحتلال، فتفاجأت أن كامل البنية التحتية في منطقة الرمال مدمرة بالكامل، حيث لا ماء ولا مصادر للطاقة، ولا حياة يمكن أن تكون على الأرض.
إننا ندرك أن جيش الاحتلال يخوض ضد أهالي مدينة غزة وشمالها حربًا نفسية، بالإضافة إلى عدوانه بالقنابل والقذائف والصواريخ، حيث تصلنا يوميًا الرسائل الصوتية باسم جيش الاحتلال التي تطالبنا بالنزوح وإلاّ سنموت تحت القصف، وترمي الطائرات منشوراتٍ لنفس الغاية، وهذا يوقع الناس تحت ضغط نفسي وحيرة كبيرة، خصوصًا لمن لا يخرجن من بيوتهن، لأنّ الرجال والشبان عادةً من يتولون التنقل وشراء الحاجيات.
ولكن اليوم خرجت قريبتي لاستطلاع المنطقة المحيطة، وعادت محمّلةً بأكياس مشتريات، وقالت لي إن الشوارع مزدحمة بالناس والباعة في المناطق التي يتحدّث عنها الإعلام بأن بها اشتباكات، وذكرتني باليوم الذي فكّرنا فيه الرحيل نحو الجنوب واكتشفنا أنّ غزة مملوءة بالناس وكذلك بلدات الشمال، وأنّ فكرة الرحيل فكرة عبثية، حيث كان الناس يتعرّضون للاعتقال والتفتيش ومنهم من تعرّض للقتل المباشر أثناء محاولات النزوح للجنوب.
إنّ أحياء المدينة المدمرة باتت قبورًا لمن استشهدوا ولم يتمكّن أحد من إخراجهم من تحت الأنقاض، وبذلك فهي أحياءٌ مظلمةٌ ومعتمة وكأنها أرضٌ للأشباح مثل أفلام الخيال الأمريكية، ونحن لن نستطيع الخروج بإرادتنا إلى أحياءٍ لا حياة فيها، وسيكون خروجنا فقط عودةً إلى بيوتنا بعد انتهاء العدوان، والتي إذا ظلت واقفةً ستؤوينا وإن دمّرها الاحتلال سنُقيم عليها خيمةً صغيرة تؤوينا.
أما اليوم فإننا سنفعل ما قاله الشاعر محمود درويش: سنحاصر حصارنا بالجنون والجنون والجنون، فإما نكون أو لا نكون.
ولكنّنا سنكون.
زينب الغنيمي، من مدينة غزّة تحت القصف والعدوان