
نبض الحياة: بعد تعرّض المسيحيين في الأراضي المقدّسة لسلسلة اعتداءات في الأشهر الماضية، يعمل بطريرك القدس للاتين بييرباتيستا بيتسابالا بشكل دؤوب على حل التوترات المرتبطة بالأزمة.
أكّد بيتسابالا أنّ الغالبية العظمى من الشعب الإسرائيلي ليست لها علاقة بالاعتداءات التي تشهدها المقدسات المسيحيّة في الأراضي المقدسة، بل تناهضها برمّتها. ولفت إلى أنّ بعد اللقاءات التي عقدها مع الحكومة الإسرائيليّة ومع الشرطة، بات هناك وعي أكبر للمشكلة بعدما كانت في الماضي محطّ إنكار. وشدّد على أنّ الحسم بشكل أكبر ضروري ربّما من جانب الحكومة.
عن هذه الاعتداءات ومساعيه لوقفها، وعن وضع الجماعة المسيحية بشكل عام اليوم في الأراضي المقدسة وجهود البطريركية في المدارس للتربية على عدم التطرّف، وعن تسميته كاردينالًا من البابا فرنسيس، ورأيه في السينودس المُزمع عقده في الفاتيكان في تشرين الأول المقبل تحدّث البطريرك بيتسابالا بالتفصيل.
يشهد الداخل الفلسطيني المحل اليوم هجمات واعتداءات كثيرة على المسيحيين. ما مدى انتشار المشاعر المناهضة للمسيحية وتوسّع هذه الاعتداءات؟ وكم من المسيحيين والإكليروس الكاثوليكي تطالهم هذه الحوادث شخصيًّا؟
تتركّز الهجمات بشكل خاص في منطقتين من البلاد. الجزء الأكبر في القدس، بالمدينة القديمة، في القسم المقدّس من القدس، حيث تتمركز أماكن العبادة بشكل كبير، كما في شمالي حيفا بمزار مار الياس المسمّى ستيلا ماريس. وهما ظاهرتان مختلفتان تمامًا.
ترتبط الظاهرة في حيفا بحركة يهودية متطرفة لها علاقة بالحاخام بيرلاند الذي يعتبر بشكل خاطئ أنّ في كنيسة الآباء الكرمليين (في حيفا) يوجد ضريح النبي أليشاع. الأمر غير صحيح. لذلك، يرغبون في الدخول إلى الكنيسة والصلاة وبالنتيجة احتلالها. لكن هذه ظاهرة ترتبط بحركة بِدعوية داخل العالم اليهودي أيضًا، وهي اليوم تحت السيطرة إلى حد ما. وتسعى الشرطة إلى مخاطبة هؤلاء من أجل إبعادهم، لأنّهم كثيرون، لكنّها ظاهرة بِدعوية.
أمّا في القدس فهي ترتبط بكل الجماعات المسيحية، بخاصّةٍ تلك الموجودة بالقرب من الأماكن المقدسة: الحي الأرمني وكنيسة القيامة ودرب الآلام والمرحلة الثالثة من درب الآلام والكنيسة الأرمنية وغيرها، وكذلك حول المدينة المقدسة. وترتبط هذه الظاهرة أيضًا بظواهر أقل بِدعويةً؛ يمكن القول، مثل بعض الحركات الفائقة الأرثوذكسية، اليهودية الفائقة الأرثوذكسية. وحضورها يتسع أكبر فأكبر في المدينة القديمة في تلك المنطقة، بينما كانت في السابق أقل عددًا. وترى هذه الحركات في الوجود المسيحي وفي الرموز المسيحية رموزًا وثنية. ومن ثم، كما هو واضح، لم تكن العلاقات بين اليهودية والمسيحية بسيطة في الماضي، لذلك تتداخل الأمور قليلًا كلها ببعضها بعضًا. وهي ظاهرة منتشرة في الفترة الأخيرة، ربما أيضًا لأنهم يشعرون بأنّهم محميّون قليلًا، محميّون من بعض الحركات السياسية الإسرائيلية الموجودة في الوقت الحالي داخل الحكومة. وقد ولّد هذا الأمر حالة من الانتباه الشديد.
يجب القول أيضًا إنّ الانتباه على العنف موجود على الصعيد العام في البلد. فالعنف الذي نخضع له ليس الوحيد؛ هناك عنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة وداخل المجتمعات الإسرائيلية أيضًا وهكذا دواليك. لذا، نحن اليوم على تواصل مع الشرطة ومع هذه الحركات الدينية للوصول إلى تهدئة الأوضاع. لكنّ الأمر بحاجة إلى وقت.
اذًا في حالة حيفا، هناك دوافع خاصّة مرتبطة بضريح النبي أليشاع، لكن ما دوافع من هم في القدس؟ أي ماذا يريدون أن يحقّقوا عبر ذلك؟ لا يرغبون في تحقيق أي شيء. يرغبون فقط في التعبير عن انفصالهم، يمكن قول هذا. يعتبرون الحضور المسيحي ديانة وثنية. وهذا أمر بعيد كل البعد عن اليهودية، بل مناهض لليهودية. إذًا، هي طريقة للتعبير عن رفضهم لحضورنا.
أعداد سكان الأراضي المقدسة من المسيحيين تتراجع. ما الطريق الأكثر فعالية لتشجيع الجماعة المسيحية على البقاء في الأراضي المقدسة؟ وعلى الصمود ؟
مسيحيو الأراضي المقدسة، هم في الداخل المحتل وفلسطين، هناك الجليل في الشمال وهناك السلطة الفلسطينية. هم يعيشون بظروف مختلفة جدًّا. ويمكن القول إنّ عدد المسيحيين مستقرّ إلى حد ما. فهو يتناقص قليلًا في منطقة بيت لحم، بفلسطين، لكن ليس كثيرًا. فما العمل إذًا؟
أوّلًا الوحدة، وحدة المسيحيين. ففي وضع صعب للغاية، وفي صعوبات ستبقى موجودة، لأنّنا نعلم أنّها لن تنتهي قريبًا، من المهم جدًّا أن تشعر الجماعة المسيحية بأكملها، ليس فقط الكاثوليكية، بحس بالانتماء المتبادل، بالروح الجماعية، حتى نتمكّن من دعم بعضنا بعضًا.
ومن ثم العمل على الرجاء وهو وليد الإيمان. فمن المهم جدًّا العمل الدؤوب على الانتماء المسيحي الخاص بكل شخص، على الإيمان الذي يشكل دورًا مهمًّا جدًّا. ومن الواضح أنّ المسيحي الحسن هو أيضًا مواطن حسن. لذلك يجب أن يشارك في الحياة المدنية والاجتماعية لشعبه. من هنا، أعتقد أنّ العمل مهم، أولاً على الوحدة، وعلى الانتماء المشترك. فمعًا فقط يمكننا مقاومة هذه الحالة الصعبة.