تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الذكرى العاشرة لسقوط الموصل... المسيحيّون بين مأساة النزوح ومساعي استرداد الحقوق

الكنيسة

الموصل - جورجينا حبابة - اسي مينا - لم يكن سقوط الموصل بأيدي العصابات الإرهابيّة عام 2014 بداية مأساة مسيحيّيها الذين أعملت فيهم الجماعات المسلّحة، منذ العام 2003، قتلًا وابتزازًا وخطفًا طال كثيرين منهم، علمانيّين ورجال دين، وتفجيرات استهدفت كنائسهم.

لكنّ المأساة بلغت ذروتها يوم عجزت حشود القوّات الأمنيّة عن حماية الموصل، مركز محافظة نينوى، ثاني كبرى المدن العراقيّة، من السقوط بأيدي مئات من ارهابيي تنظيم داعش في 10 يونيو/حزيران 2014. ومنذئذ، يعيش مسيحيّو المدينة صفحات أحلَك من سابقاتها، ولا يزالون حتى اليوم يبحثون عن العدالة والإنصاف، ويتساءلون عن محاسبة المسؤولين. 

عقب أيامٍ من المناوشات والقصف المتبادَل بين القوات الأمنيّة والإرهابيّين، وجد الموصليّون أنفسهم وحيدين أمام عناصر التنظيم الإرهابيّ المسيطرين على المدينة بأكملها، وسط غيابٍ تامّ للقوات الأمنيّة، كما يشرح الشاهد ناهض عبد الأحد.

وتابع: «شرعت عائلات كثيرة بمغادرة المدينة، خصوصًا المسيحيّة منها، خشية وقوع الأسوأ، مع شيوع أخبار القتل والتنكيل الرهيب الذي يمارسه أفراد التنظيم. بينما ظنّ آخرون أنّه انفلات أمنيّ ظرفيّ كالمعتاد، سينتهي قريبًا».

عمد الإرهابيّون في 20 يونيو/حزيران إلى تدمير تمثال «العذراء سيّدة دجلة» المرتفع على برجه في كنيسة الطاهرة الكلدانيّة، ودمّروا تماثيل أخرى من معالم المدينة بدعوى "تطهيرها من التماثيل الشركية".

وفي تطوّر لافت، اختطف الإرهابيّون في 28 يونيو/حزيران الأختَين عطور ومسكنته من رهبانية بنات مريم الكلدانيات، مع ثلاثةٍ من أطفال الميتَم الذي تديرانه،وأطلق سراحهم في 17 يوليو/تمّوز، من دون أن يتعرضوا لأذى جسدي.

تزامن ذلك مع إعلان «الدولة الإسلامية في العراق والشام-داعش» في 29 يونيو/حزيران عن قيام «الخلافة الإسلامية» ومبايعة أبي بكر البغداديّ خليفةً للمسلمين.

لاحقًا، تذرّع الإرهابيّون يتخلف رجال الدين المسيحيين عن حضور اجتماعٍ دعا إليه قياديو  التنظيم، فأصدَروا ما عُرف بـ«وثيقة المصير» ليوزّعها مقاتلو التنظيم يوم الجمعة 18 يوليو/تمّوز، ويجاهر بمضمونها خطباء المساجد عقب صلاة الجمعة.

منحت الوثيقة مسيحيّي المدينة مهلةً أمدها 24 ساعة للمغادرة أو ليختار «الذين يريدون البقاء في دولة الخلافة» بين «اعتناق الإسلام أو عقد الذمة وسداد الجزية. وإذا رفضوا فلن يتبقّى لهم سوى حدّ السيف».

يروي ناهض الحزن والمعاناة والمشقّة التي رافقت جلاء المسيحيّين الموصليّين عن مدينتهم، إذ «منعنا التنظيم من أخذ أيّ متاع، بل صودرت أوراقنا الثبوتيّة أيضًا، وجُرِّدنا من المال والمصوغات الذهبيّة والأمتعة».

وتابع: «أجبروا كثيرين على الترجّل من مركباتهم والرحيل سيرًا وحفاةً أحيانًا، قاصدين دهوك وأربيل في إقليم كردستان العراق، وقرى وبلدات سهل نينوى المجاورة، قبل أن تسقط هي الأخرى في أيدي التنظيم الإرهابيّ».

وَسَم التنظيم عقارات المسيحيّين بحرف "ن" إذ عدّهم «نصارى» ونسبَ ملكيّة عقاراتهم إلى عقارات الدولة الإسلاميّة. لتخلو الموصل، وفيها قرابة 35 كنيسة، يربو تاريخ بعضها على 1500 سنة، من مسيحييها، للمرة الأولى في التاريخ، إلّا قلّة قليلة لم تسعفهم ظروفهم الصحيّة أو المعيشيّة للمغادرة.

عقب تحريرها عام 2017 شهدت الموصل عودة بعض مسيحيّيها. عودة وصفها المطران ميخائيل نجيب راعي أبرشيّة الموصل الكلدانيّة بالخجولة. وقال في حديث سابق إنّ «أعداد العائلات العائدة لا تتجاوز المئة، 35 منها كلدانيّة، بحسب إحصائيّات الأبرشيّة». ودعا الحكومة إلى دعم الأسر المسيحيّة وتعويضها عن خسارتها جميع ممتلكاتها لتشجيعها على العودة.

من جانبها تُواصل أبرشيّات الموصل إعمار كنائسها بالتمويل الذاتي المدعوم من المنظمات المسيحية العالمية. وشملت الإعمار كنائس: مار توما والبشارة والطاهرة للسريان الكاثوليك، ومار بولس وأم المعونة للكلدان.