الأردن - الأب رفعت بدر - قبل ربع قرن، كانت البشريّة كلّها بانتظار الحدث الكبير، ببدء الألفية الثالثة، عبر الدخول بعام الألفين، وسُمّي بعام اليوبيل الكبير. استعدّ العالم بكل أطيافه لذلك العام، وكانت السياحة بشكل خاص هاجسًا كبيرًا بالنسبة للدول السياحية الكبرى التي بلا شك استفادت من الحركة السياحية المنتعشة.
وكانت كنائس العالم من أكبر المستعدين والمحتفلين بذلك العام الفريد، لأنّ عام ألفين كان ذكرى مرور ألفي عام على ميلاد السيد المسيح. ومن السمات الرئيسية كان الحج إلى الأماكن المقدّسة، كعلامة احتفال بعام اليوبيل. فبالإضافة إلى زيارة الكنائس الرئيسية والتاريخية في الفاتيكان، أعلنت العديد من المواقع في العالم كمواقع حج رئيسية لعام اليوبيل، وكان لنا في الأردن نصيب كبير، إذ صادق الكرسي الرسولي – الفاتيكان - على اعتبار خمسة مواقع رئيسية للحج. انتشرت تلك الحقيقة بين الفعاليات السياحية في بلدنا، وبين أفواج السياح والحجاج القادمين إلى بلادنا المقدسة. وللتذكير فانّ تلك المواقع هي موقع المعمودية - المغطس ومار الياس في عجلون وجبل نيبو في مادبا ومزار سيدة الجبل في عنجرة ومكاور في لواء ذيبان - مادبا.
وقد تكلّل ذاك العام بحدثين كبيرين: الأول هو بدء الحج السنوي إلى موقع المعمودية – المغطس، في العصر الحديث. والثاني زيارة تاريخية كبيرة قام بها البابا (القديس اليوم) يوحنا بولس الثاني إلى الأرض المقدسة مبتدئاً بالأردن لمدة يومين. وكان اول بابا يزور الاردن في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، وتلاه طبعا البابا بندكتس 2009 والبابا فرنسيس 2014. واعتقد انّ جلالة سيدنا، وهو اليوم عميد القادة العرب، هو الزعيم الوحيد في العالم الذي يستقبل 3 بابوات، في عهده، والى المزيد باذن الله.
أقول كل ذلك وأنا أتابع استعداد العالم لليوبيل العام المقبل 2025، والذي يُسمّى يوبيلاً كل 25 عامًا، حيث تنتظر مدينة روما لوحدها، بما فيها الفاتيكان، ليس أقل من 30 مليون سائح وحاج. ولذلك نشاهد التحضيرات الكبيرة لحدث اليوبيل، من شوارع، ووسائل نقل، ومطاعم، وغرف فندقية، الى آخره... هذا كله بالإضافة إلى الاستعداد الروحي للمؤمنين الذين سيحجون العام المقبل إلى الأماكن المقدسة، والدخول من الأبواب المخصّصة لسنة اليوبيل، والتي تفتح بحسب التقليد فقط طوال سنوات اليوبيل كل ربع قرن، أو في اليوبيلات الاستثنائية التي يقرّرها قداسة البابا. فالنمو الروحي، وطلب مغفرة الخطايا بقلوب صادقة هو الأساس في سنة اليوبيل، بالإضافة إلى الحج إلى الأماكن الخلاص، والمشاركة في الاحتفالات المقدّسة المعدّة بدقة في الفاتيكان والعالم.
اقليميا، تُلقي السياسة بظلالها على المنطقة، بسبب استمرار الحرب على غزة ولبنان، وبالتالي فلم نخطط كثيرًا للعام المقبل ولم يتم تجديد أماكن الحج، لكن من الممكن، كما علمنا من مصادر كنسية رفيعة، على رأسها الكاردينال بييرباتيستا، بطريرك القدس، حين التقى كهنة الاردن اللاتين معه في عمّان قبل أيام، أن يتم إعلان موقع جبل نيبو والكنيسة التاريخيّة فيه كموقع حج رئيسي للعام المقبل.
كما أنه من المقرّر أن يتم تدشين الكنيسة الكبرى في موقع المعموديّة (المغطس)، والتي وضع جلالة الملك عبدالله الثاني حجر أساسها مع قداسة البابا بندكتس السادس عشر في 10 أيار عام 2009، ومن المؤمل أن يكون إلى جانب نيافة كاردينال القدس، ضيف رفيع من الفاتيكان، هو الكاردينال بييترو بارولين، أمين سرّ الكرسي الرسولي أو حاضرة الفاتيكان، في الاحتفال الذي سيُقام يوم العاشر من كانون الثاني 2025، وسيتم فيه بدء احتفالات اليوبيل السعيد الذي لن يكون سعيدًا بالتمام ما لم تُسكت أصوات الحرب وأزيز السلاح في غزة وسائر فلسطين ولبنان. ولذلك تصلي الكنائس في الفترة القادمة التحضيرية لعيد الميلاد المجيد، بأن يكون الميلاد هذا العام، مبشرًّا بعام جديد، فيه تولد العدالة وينبثق فجر السلام العتيد.