
نورسات- القس سامر عازر - أخطر ما يهدد المجتمعات الإنسانية هو الفرقة والإنقسام والتناحر، والسبب الرئيسي في ذلك نابع من الغيرة والحسد، مما ينعكس سلباً على حياة الجماعة وعلى تطور المجتمعاتِ وتقدُّمها، ولا سيما المجتمعات الكنسية التي أكثر ما يجبُ أن يميزّها روحُ المحبةِ والتكاتفِ والتعاضدِ وتقديمِ بعضنا بعضا في المحبة كما هو جوهر إيماننا القويم.
لكننا نلحظ في داخل الجسم الواحد الكثير من الفرقة والإنقسام والتناحر، وهذا ضد تعاليم الكنيسة وضد تعاليم السيد المسيح له المجد، الذي أوصانا أن نحّب بعضنا بعضاً وأن نحّبَ قريبَنا كأنفسنا، وأن نعيشَ بموجب روحِ الأخّوة الصادقة التي سادت في الكنيسة الأولى في القرن الأول الميلادي بأن يكون قلبُ كلِّ واحدٍ على أخيه، فيعضدَهُ ويشجعَهُ ويقويهِ ويساعدَه لينهضَ في كبوته، لأننا مدعوون في المسيح يسوع أن نكون جسداً واحدا وهو جسد المسيح.
وحتى تكون الكنيسة بكامل قوتها فهي تحتاج لكُّلِ عضو من أعضائها، فليس أحد أقل قيمة أو منزلة من أحد، بل لكل منّا دورُه المكمّل والذي بدونه لا يكتملُ عمل الكنيسة ولا تكتملُ خدمتها، ولكنَّ المهم في كل عمل وفي كلِّ خدمةٍ هو أمانة القيام بالواجب المنوط بنا بموجب الموهبة المعطاة لنا من الله. فالله هو المعطي لكِّلِ واحدٍ منَّا كما يشاء بحسب مسرّةِ مشيئته وبحسب نعمته السماوية، لذلك فأية موهبة معطاة لنا هي نعمة إلهية وليست مدعاةً للتكبُّر والتعالي على الآخرين بل يجب أن تكون مُسَخّرة في سبيل خدمة الجماعة وتقويتهم ونموهم في حياة الروح وحياة الإيمان.
وبولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية في الأصاح الثاني عشر يتكلم عن موضوع جسد المسيح الواحد وعن كل واحد منا كعضو في هذا الجسد الحي، ويعدد سبعة مواهب وهبها الله لنا، وهي ضرورية ليكون جسد المسيح سليماً، قوياً، فاعلاً ومؤثرا.
ولربما اليوم هناك مواهب جديدة تتناسب وتطور المجتمعات من علوم وفنون وتكنلوجيا ووسائل إتصال حديثة وطب وهندسة وغيرها، ولكن تبقى المواهب السبعة التي يرسمها بولس الرسول أساسية في خدمة جسد المسيح الوحد أي الكنيسة تجاه أعضائها وتجاه المجتمع الذي تعيش فيه بكامل أطيافه وألوافه ومشاربه وأديانه، ليكون صوت الإنجيل نقياً واضحا ومؤثراُ يظهرُ عمقَ محبَّة الله الشاملة وحضورٍه في كلِّ المجالات وكلِّ الخدمات التي تُقدِّمُها الكنيسة على الصعيد المجتمعي من تعزيز الخدمة الإجتماعية والإنسانية والروحية والرعوية والرسالة التربوية والتعليمية وتشجيع لفكر الثقافي وأهمية الحفاظ على البيئة وصون الطبيعة، وكذلك إعلاء الصوت النبوي الذي يدعو إلى تحقيق العدالة والحرية والكرامة الإنسانية.
والمواهب السبعة التي يذكرها بولس الرسول حدد لها مواصفات تتناسب وطبيعتها، فمثلا من يتملك نعمة النبوة- أي التكلم بما هو نافع وصالح- فبما يتناسب وروح الإيمان وتعاليم المسيح. والخدمة فبما تتطلبه الخدمة من بذل النفس والروح في سبيل تأديتها بكل أمانة وإخلاص. والتعليم فبما يتناسب مع رسالة التعليم الحقيقية والتي تَبني الإجيالَ على محبة الجميع دون استثناء وليس التعليم الإقصائي الذي ينمّي روح التعصب والتزمت والعنصرية. والوعظُ فبما يتناسب وموهبة الوعظ في التكلم بلسان المسيح وموعظته على الجبل وبما يخاطب حاجات الناس ومشاكلهم وتحدياتهم. والعطاء فيجب أن يكون بكِّلِ سخاء، ليس بهدف الظهور وتصفيق الناس بل بدافع القلب المتواضع والمنكسر أمام الله ومن القلب كما للرب وليس كما للناس. ومن يقدم مساعدة فيجب أن يكون ذلك بحماسة لا بتكاسل وبتذمُّر وبإنتظار مقابل، وأما من يقوم بأعمال الرحمة فيجب أن يكون ذلك نابع عن قلب فرح، فالرحمة غير النابعة من قلوب فرحة لا تكتمل ولا تصل إلى قلوب الآخرين.
فالتحدي الذي يضعه أمامنا السيد المسيح اليوم نحن أبناء القرن الحادي والعشرين هو أن نكون حقاً كنيسة المسيح المجيدة كما أرادها بلا دَنَسٍ ولا غَضْنَ بل مقدسَةً وبلا عيب، وأن يُكمِّل كلُّ واحد منّا الآخر.