
أبونا بشار فواضله
كاهن رعية اللاتين - الطيبة
يتميّز تاريخ المنطقة منذ خمسٍ وسبعين سنة ونيّف بالصراع القائم بين شعبين، في أرضٍ فيها شعبان وثلاث دياناتٍ، يتصارعان على أرضٍ واحدة، والصراع له ثلاثة أبعاد؛ بعدٌ سياسي وآخر اقتصادي وثالث ديني. فالسياسةُ بحسب رأي الكثيرين لا تنفصل بتاتًا عن الاقتصاد والعكس صحيح. أمّا البعد الثالث فهو متجذرٌ في بعقلية وطنِنا ألا وهو البعد الديني! ومهما قيل، فإنهُ سيبقى الأول والأخير بالنسبة لطرفي الصراع حتى ولو تعدّدت الآراء بأنَّ السياسة تطغى على كلِّ شيء في الوقت الحالي. نعم، السياسة هي كل شيء. ولا أحد يستطيع أن ينكر هذا الأمر. ومع ذلك، يجب أن يكونَ المؤمنُ قويًّا ولا يخاف من أنّ يواجه الخطأ ويتحدّاه ويقول الحقيقة لأن "الحق يحرّر".
في هذه الأيام تعيش فلسطين حقبةً جديدةً من تاريخها، فقد تحوّلت منصّات التواصل الاجتماعي إلى ساحة معرفة عن تاريخ فلسطين وثقافتها وقضيتها، فانتفض العالم عندما انتفض شباب السوشال ميديا الحقيقية، ووصلت معاناة فلسطين إلى كل إنسان وكل بقعةٍ من الأرض، فتضامن الإنسان مع الإنسان، وأخذ يطالبَ العالم بحرية واستقلال وحقوق فلسطين والفلسطينين والمطالبة بإيقاف مباشر للمجازر والابادة الجماعية في غزّة التي تطال البشر والحجر دون تمييز، فأبيدت عائلاتٌ بأكملها واختفت معالم كل أحياء غزة. بالإضافة إلى الكثير من الحياة اليومية المعقدة والصعبة في الضفة الغربية والقدس، بسبب ما يعانيه الناس من هجمةٍ غير مسبوقة من المستوطنين الذين لا يتركون شارعًا وأرضًا ولا زيتونة إلا ويتهجمون عليها ويعيثون فيها دمارًا وفسادًا وألمًا.
في الختام نعود إلى أساس القضية وجوهرها، نعود إلى عاصمة القيامة والحياة "القدس"! القدس هي القضية...! لا بل نحن القضيّة. القضية قضيّة إنسانيتنا. في القدس بوابة البشرية إلى المرحلة المقبلة من عالمنا، ففيها يتقرر شكل الأيام القادمة، لنا وللعالم. القدس مدينةُ الزمن الآتي... بوابة الدخول إلى سلامٍ حقيقي... طريقنا نحو الحياة... أيحقُّ لنا، بعد كل هذا، أن نظل متفرّجين؟
هيّا بنا لننطلق ولننادِ بأعلى أصواتنا، نداءً ملِحًّا! صرخةً مدويةً في عالم الإنسان، لكي نصل إلى خيارٍ واحد وهو الحياة لكل إنسانٍ مهما اختلف بعقيدته أو عرقه أو دينه... فزهرةُ المدائن لا تريد عنفًا من جديد، ولا ترغبُ في أن تسمعَ بظلمِ أحد، فهي تريد أن تجمع كل بنبها تحت أجنحتها كما تجمع الدجاجةُ فراخها!