Aller au contenu principal

الوسواس القهريّ… رحلة بين ظلام القلق ونور الشفاء

اسي مينا

الوسواس القهريّ اضطرابٌ نفسيّ وروحيّ يُثقل القلب بأفكار متكرّرة تدفع الإنسان أحيانًا إلى طقوس بحثًا عن السكينة والاطمئنان. وفي ظلّ غياب العلاج، يتسلّل الوسواس إلى الحياة اليوميّة، فيؤثّر في العلاقات والقدرة على الإنجاز. في هذا الإطار، تطلّ المتخصّصة في علم النفس تاتيانا بو غريوس لتشرح سبل التعامل مع هذا الاضطراب وتخطّيه.

تقول بو غريوس: «اضطراب الوسواس القهريّ يُعدّ مرضًا يُرهق الروح قبل الجسد، إذ يَسجن المصاب بين أفكارٍ ملحّة تُعرف بالوساوس، وأفعال قهريّة يسعى من خلالها إلى راحةٍ موقّتة. غير أنّ هذه الدوّامة تُعكّر صفو الحياة اليوميّة، وتحتاج إلى علاج ليجد الإنسان سلامه من جديد. تتعدّد أعراض اضطراب الوسواس القهريّ؛ فقد يعيش المصاب قلقًا من التلوّث عند لمس الأشياء، أو شكًّا متواصلًا متعلّقًا بإغلاق الباب، وتراوده أفكار كثيرة غير مرغوب بها، قد تكون صحّية، أو دينيّة أو ذات طابع جنسيّ، ويلجأ إلى طقوس متكرّرة كغسل اليدين المفرط، وكأنّه يسعى إلى تطهير روحه من قلقٍ لا يُرى».

وتواصل حديثها: «يبدأ المصاب بوسواس قهريّ بالشعور بحاجةٍ إلى طلب المساعدة عندما تُصبح أفكاره ومخاوفه عبئًا دائمًا يثقل قلبه وروحه ويعوق سلامه الداخليّ وعلاقاته بالآخرين. عندها، يجب اللجوء إلى متخصّص في هذا المجال لإرشاده نحو سبل التحرّر من القلق والتوتّر».

جذور وراثيّة وتربويّة

وتؤكّد: «في المرحلة الأولى من العلاج، يُركِّز المتخصّص على الاستماع إلى المريض وفهم وسواسه بعمق، ويعطيه أدوات ويحدّد له استراتيجيّات لمواجهة القلق تدريجًا. لكن في حال بلَغَ الوساوس مرحلة التأثير في النوم والعمل والعلاقات الاجتماعيّة، يصبح اللجوء إلى العلاج الدوائيّ خطوة حكيمة، إذ إنّه يُخفِّف ثقل الوسواس، ويمهّد الطريق لتلقّي العلاج النفسي بفعاليّة أكبر».

وتكشِف: «يُعدّ الوسواس الدينيّ أحد أشكال الوسواس القهريّ، إذ يتسلّل إلى عمق الإيمان ليُشوّه صفاء العلاقة بالله. يعاني البعض أفكارًا مُلِحّة تشكّك في صلاتهم أو نيّاتهم، فتتحوّل العبادة قلقًا والطمأنينة خوفًا. ويبدأ المصاب بتكرار الصلاة أو رسم إشارة الصليب مرارًا خشية أن يكون قد أخطأ أو لم يؤدِّها كما يجب، فيغدو الفعل الدينيّ مصدر اضطراب بدل أن يكون لحظة سلام».

وتزيد: «لكنّ الإيمان الحقيقيّ يُشكّل حالة من الطمأنينة، والصلاة الصادقة تؤدّي دورًا في شفاء النفس. عندما يُسلّم الإنسان قلقه لله، يبدأ بالتحرّر من قبضة الوسواس ويستعيد صفاء فكره».

وتختم بو غريوس: «يبقى الإرشاد الروحيّ والنفسيّ الطريق الأمثل لتجاوز هذه الحالة وبلوغ توازن حقيقيّ بين العقل والإيمان. عندما يشعر المصاب بتفاقم حالته، عليه اللجوء إلى الاختصاصيّ سريعًا، فالعلاج المبكر هو الغاية المرجوّة».

المصدر: آسي مينا / د.آمال شعيا