
العالم - ليست شفاعة القدّيسين مجرّد تَقوى شخصيّة أو ممارسة تعبّديّة بسيطة نلجأ إليها أوقاتَ الأزمات والمِحَن، فالأحرى أن نجعلها جزءًا من طقوس حياتنا اليوميّة لتُفعِمها بروحانيّة عميقة، متيقّنين من أنّها عطيّةٌ ثمينة تمنحنا إيّاها الكنيسة لتُذكّرنا بأنّنا لسنا وحدنا في مسيرتنا نحو الله، بل نحن جزء من عائلة روحيّة كبيرة تُرافقنا وتَعضُدنا.
المتوجِّهون إلى القدّيسين لا ينالون عونهم فحسب، بل يتّحدون بتسبيحهم الله وشكرهم له، إذ تُعزّز صلوات القدّيسين إيماننا ورجاءنا ببلوغ الحياة الأبديّة مقتدين بمثالهم، فهم شهودٌ أحياء على إمكان عيش القداسة وبلوغ مجد الله، واثقين بوعود المسيح، كما يشرح الأب نويران ناصر الدومنيكيّ.
ويوضح أنّ صلوات القدّيسين تربطنا بالتقليد الحيّ للكنيسة، وعندما نطلب شفاعتهم نتّحد بهذا التقليد بصفتنا أعضاء في عائلة روحيّة تتجاوز حدود الزمان والمكان، ما يساعدنا أيضًا على تجاوز النزعة الفرديّة، فشفاعتهم تُذكِّرنا بأنّنا أعضاء في جماعة مؤمنين يتبادلون الدعم والصلاة من أجل بعضهم بعضًا.
القدّيسون هم قدوتنا وإخوتنا الأكبر في الإيمان، يُرافقوننا ويُساندوننا في مسيرتنا نحو الله، مقدّمين مثالًا حيًّا للفضيلة وصورةً تعكس قداسة الله. وحين نقتدي بمثالهم ونطلب شفاعتهم، نستلهم منهم سبل النموّ في قداستنا الشخصيّة.
كيف نجني ثمار شفاعتهم؟
يُشجّع ناصر كلّ مسيحيّ على اختيار قدّيسٍ يشعر بارتباط خاصّ بحياته وفضائله، ليكون شفيعه الشخصيّ، كأن يكون سَمِيّه أو نظيره في المهنة أو ظروف الحياة، وأن يعتاد تلاوة الورديّة متأمِّلًا في أسرار حياة المسيح وأمّه العذراء، مع شفيعه أو أيّ قديسٍ يختاره، طالبًا شفاعته في أثناء تلاوة كلّ سرّ.
ويرى في الاحتفال بأعياد القدّيسين فرصةً لتعميق المعرفة بمسيرتهم الإيمانيّة وروحانيّتهم، سواء عبر المشاركة في الاحتفالات الطقسيّة أو قراءة سيرتهم. ويتابع: «طلب شفاعتهم في الاحتياجات اليوميّة، البسيطة والعظيمة، يوثّق صلة المؤمن بشفعائه ويُقوّيه في معركته اليوميّة ضدّ التجربة والخطيئة، فالقدّيسون مستعدّون دائمًا لمدّ يد العون».
ويعدّ الاقتداء بفضائلهم الطريقة الفضلى لتكريمهم، ويدعو كلّ مؤمنٍ للتعرّف إلى القدّيس المتميِّز بالفضائل التي تلهمه أكثر من سواها ويسعى إلى تجسيدها في حياته اليوميّة.
ويختم ناصر داعيًا إلى اتّخاذ القدّيسين وشفاعتهم مصدر إلهامٍ لتعميق علاقتنا بالله وبشركة القدّيسين، ليشجّعنا على عيش إيماننا بغيرة ورجاء أعظم، خصوصًا في عالم اليوم المليء بتحدّيات وصعوبات، متذكّرين أنّنا محاطون بـ«سحابة عظيمة من الشهود» (عب 12: 1) يشفعون فينا.
المصدر: جورجينا حبابة، آسي مينا.