
الفاتيكان - الحياة المشتركة، الطاعة وقراءة علامات الأزمنة، هذا ما أراد قداسة البابا تسليط الضوء عليه خلال استقباله اليوم المشاركين في المجامع العامة لعدد من الجمعيات والمعاهد الرهبانية.
استقبل البابا لاوُن الرابع عشر الخميس ١٨ أيلول سبتمبر المشاركين في المجامع العامة لعدد من الجمعيات والمعاهد الرهبانية. وعقب ترحيبه بالجميع قال قداسته للرهبان والراهبات إن معاهدهم، وكما كتب البابا يوحنا بولس الثاني هي شهادة رائعة ومتنوعة تنعكس فيها الهبات الكثيرة التي منحها الله لمؤسسيها ومؤسساتها والذين بالانفتاح على عمل الروح القدس نجحوا في قراءة علامات الأزمنة والإجابة بشكل مستنير على الاحتياجات التي تبرز تدريجيا.
توقف الأب الأقدس بالتالي عند ما قام به مؤسسو ومؤسِّسات الجمعيات والمعاهد التي يلتقي قداسته المشاركين في مجامعها العامة، أي مرسلات الدم الثمين، المريمون، رهبان سيدة الحبل بلا دنس الفرنسيسكان وراهبات القديسة أورسولا لسيدة الحبل بلا دنس. وأشار البابا على سبيل المثال إلى بريجيدا موريلو التي افتتحت في القرن السابع عشر أعمالا لتعزيز المرأة ما اسفر عن ثمار كثيرة في المستقبل، وكان هذا في فترة لم يكن يدرك فيها المجتمع بشكل كافٍ قيمة تنشئة النساء. تحدث الأب الأقدس أيضا عن القديس غاسياري ديل بوفالو والذي واجه بعد ذلك بقرنين في روما عدم التعبد وعدم التدين المنتشرَين من خلال نشر التعبد لدم يسوع المسيح الثمين. وقد قام بعمل شبيه في فرنسا الأب جان بيير كولان مستلهما من روح التواضع التي طبعت مريم، تابع البابا ثم ذكَّر أيضا بتأسيس معهد رهبان سيدة الحبل بلا دنس الفرنسيسكان في القرن العشرين وذلك على خطى القديس فرنسيس والقديس ماسيمليانو كولبي.
وتحدث قداسة البابا بعد ذلك عما تركه المؤسسون والمؤسِّسات من إرث متنوع يمكننا أن نسلط الضوء على بعض جوانبه المشتركة. وأشار أولا إلى أهمية الحياة المشتركة التي تتقاسمونها في الدعوات الرهبانية، قال البابا لضيوفه، كمكان قداسة ومصدر إلهام، شهادة وقوة في العمل الرسولي. ففي هذه الحياة المشتركة، وحسبما كتب البابا القديس يوحنا بولس الثاني، تنتقل طاقة الروح القدس إلى الجميع في الوقت ذاته. وأضاف البابا لاوُن الرابع عشر قائلا لضيوفه إن الروح القدس قد ألهم مَن سبقوهم بالاتحاد بالأخوات والأخوة الذين تضعهم العناية الإلهية على طريقهم وذلك لأن في شركة الصالحين يتكاثر الخير ويكبر. هكذا كان الأمر في بداية تأسيس الجمعيات والمعاهد وعبر القرون وهكذا يستمر، قال الأب الأقدس.
ثم انتقل البابا لاوُن الرابع عشر إلى النقطة الثانية التي يريد تسليط الضوء عليها وهي القيمة الأساسية في التكرس الرهباني للطاعة كفعل محبة. وقال قداسته إن يسوع قد أعطانا مثلا بعلاقته مع الآب حين قال "لا أَتَوَخَّى مَشيئَتي بل مَشيئَةَ الَّذي أَرسَلَني" (٥، ٣٠). هذا وذكَّر البابا في هذا السياق بتشديد القديس أغسطينوس بقوة على العلاقة الوثيقة في الحياة المسيحية بين الطاعة والمحبة الحقيقية حين وصف الطاعة بابنة المحبة. وأضاف الأب الأقدس أن اليوم يُنظر إلى الطاعة وكأنها تخلي عن الحرية، ولكن ليس الأمر هكذا، فالطاعة في أعمق معانيها كإصغاء فعلي وسخي للآخر هي فعل محبة كبير، وحين تعاش بإيمان ترسم طريق عطاء منيرا يمكنه أن يساعد بشكل كبير العالم الذي نعيش فيه على إعادة اكتشاف قيمة التضحية والقدرة على إقامة علاقات دائمة، والنضج في الكون معا بشكل مترسخ في الأمانة. الطاعة هي مدرسة للحرية في المحبة، قال الأب الأقدس.
وفي تطرقه إلى نقطة أخرى توقف البابا لاوُن الرابع عشر عند التنبه إلى علامات الأزمنة. وقال في هذا السياق إنه بدون هذه النظرة المنفتحة والمهتمة بالاحتياجات الحقيقية للأخوة لم يكن لأي من جمعياتنا أبدا أن تولد. وواصل قائلا للرهبان والراهبات إن مؤسسي ومؤسِّسات جمعياتهم ومعاهدهم كانوا أشخاصا قادرين على المراقبة والتقييم والمحبة مقدمين التضحيات من أجل خدمة الأخوة في احتياجاتهم الفعلية، وذلك من خلال القدرة على التعرف على صوت الله في فقر القريب. وتابع الأب الأقدس قائلا لضيوفه إنه من الهام بالنسبة لهم من وجهة النظر هذه العمل في تذكُّر حي لهذه البدايات الشجاعة، وذلك، وحسبما كتب البابا فرنسيس في الرسالة التي وجهها إلى جميع المكرسين في تشرين الثاني نوفمبر ٢٠١٤ لمناسبة سنة الحياة المكرسة، لا بمعنى جعل هذه البدايات كالمعالم الأثرية أو الانطلاق من مجرد حنين إلى الماضي، بل بمعنى السير على دروب الأجيال السابقة لاستنباط الشرارة المحفزة والأفكار والمشاريع والقيم التي حركت هذه الأجيال. كما تحدث البابا لاوُن الرابع عشر على إمكانية التعرف على قدرات لم يتم استكشافها بعد لجعلها تثمر في الواقع الحالي.
وفي ختام كلمته خلال استقباله اليوم الخميس ١٨ أيلول سبتمبر المشاركين في المجامع العامة لعدد من الجمعيات والمعاهد الرهبانية، وهي مرسلات الدم الثمين، المريمون، رهبان سيدة الحبل بلا دنس الفرنسيسكان وراهبات القديسة أورسولا لسيدة الحبل بلا دنس، أكد البابا لاوُن الرابع عشر معرفته بما يقوم به ضيوفه من عمل بشكل يومي في مناطق مختلفة من العالم، وتحدث عن خير غالبا ما يكون غير معروف لأعين البشر ولكن لا لعينَي الله، قال قداسته. وشكر قداسته الرهبان والراهبات على هذا العمل ثم منحهم البركة مشجعا إياهم على مواصلة رسالتهم بإيمان وسخاء.