
يُقدّم لنا الكتاب المقدّس شخصيّاتٍ عدّة تُساعدنا مرافقة اختباراتها وتأمّل ضعفها وسقطاتها على إدراك التحوّل العميق الذي عاشته في إثر لقائها المسيح، وكيف امتلأت حياتها نعمةً ورجاءً بلمسة رحمةٍ منه، قاصدًا أن يُعلّمنا أنّ الإنسان مهما كان خاطئًا أو منبوذًا في عيون الناس، يبقى محبوبًا في نظر الله الذي يُبادر باحثًا عن الخطأة ليُخلّصَهم.
نجد في اللقاء المميَّز بين زكّا العشّار ويسوع المثالَ الأقوى لصورة المسيح المبادِر بالحبّ والعطف والترحاب في تعامله مع الخطأة، فدخل قلب العشّار وحرّره من ماضيه، وجعله شاهدًا على محبّته وعاملًا في حقله ورسولًا لكلمته الحيّة، كما أوضح الأب أنطوان زيتونة، الكاهن في أبرشيّة الموصل وعقرة الكلدانيّة.
لننتبه إلى فرصة الخلاص
وشرح كيف يطرح لوقا الإنجيليّ لقاء يسوع بزكّا كزمن نعمةٍ يضع الإنسان أمام الله ويُغيّره من الداخل مجسِّدًا كلمات الربّ: «إنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ»، ليذكّرنا بأنَّ هنالك في حياة كلّ واحدٍ منّا لحظات نعمة ينتظرنا الله فيها، ليحمل إلينا الخلاص، إن لم ننتبه لحضورها، أضعناها.
وتابع: «لم يسمح زكّا لمعوِّقاتٍ كقِصَر قامته وتزاحم الجموع فضلًا عن ضغوط المجتمع ونظرة الناس إلى ماضيه المُخجِل أن توقف مسيرة بحثه عن يسوع، باذلًا ما في وسعه من جهدٍ بكلّ شجاعةٍ واندفاع، وركض مزاحمًا الجموع وتسلّق الشجرة، متحدّيًا نظرة المجتمع، ومتجرّدًا من قيود صورته الاجتماعيّة، باحثًا عن خلاصه، ليُعلّمنا أنَّ الإرادة الصادقة تتخطّى الحواجز كلّها، وأنَّ الشوق الحقيقيّ لا توقفه عوائق».
شجرة خلاص زكّا
يجد زيتونة في تواضع زكّا وجرأته وشوقه مثالًا حيًّا لكلّ نفسٍ تشتاق إلى الله وتبحث عنه بإخلاص، فنال مبتغاه حين دخل يسوع إلى بيته/قلبه، لتتحوّل حياته وتتغيّر نظرته إلى نفسه وإلى الآخرين، إذ «لم يهتمّ بما يظنّه الناس، بل (صعد الشجرة)، رمزًا للتواضع والمثابرة الروحيّة، ليرى المسيح، فأصبحَت الشجرة وسيلةً لخلاصه» بحسب كلمات القدّيس أوغسطينوس.
ولفت زيتونة إلى أنّ المبادرة هنا لم تكن من زكّا، بل من يسوع، «فهو الذي رفع عينيه ونظر إلى زكّا بعين الحبّ، لا بعين الدينونة. ناداه باسمه، كمن يعرفه ويعرف أعماقه. ثمّ دعاه، بل وأعلن أنه سيمكث في بيته».
يختم زيتونة مؤكِّدًا أنّ الخلاص ليس مؤجَّلًا، بل هو «اليوم»، كما قال يسوع: «اليَوْمَ حَصَلَ خَلاصٌ لِهذَا الْبَيْت». لذا، «فلنتّخذ زكّا مثالًا وقدوةً ومرآةً لحياتنا، تعكس صورة الإنسان الذي بَحَثَ وتَحَرّكَ، وعرف كيف يتخطّى الحواجز. قَبِلَ التحدّي ليدخل في علاقة جديدة بيسوع، فَغَيّر نظرته إلى الحياة وقرَّر أن يعيشها بروح الشركة والمشاركة، وتحمّل مسؤوليّة ماضيه وتوبته».
المصدر: آسي مينا / جورجينا حبابه