Skip to main content

رسالة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي السّابع للفقراء ٢٠٢٣

اليوم السابع للفقراء

الطيبة - نبض الحياة: يعلّمنا سفر طوبيّا أن نعمل بشكل ملموس مع الفقراء ومن أجلهم. إنّها مسألة عَدل تُلزمنا جميعًا لكي نبحث عن بعضنا البعض ونلتقي مع بعضنا البعض، من أجل تعزيز الانسجام الضّروري، لكي تكون الجماعة جماعة حقًّا" هذا ما كتبه قداسة البابا فرنسيس في رسالته بمناسبة اليوم العالمي السّابع للفقراء

تحت عنوان "لا تُحَوِّلْ وَجهَكَ عن فَقير" (طوبِيّا ٤، ٧)، صدرت اليوم رسالة قداسة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي السّابع للفقراء،  كتب الأب الأقدس يبلغنا باليوم العالمي للفقراء، عن العلامة الخصبة لرحمة الآب، للمرّة السّابعة لكي يعضد مسيرة جماعاتنا. إنّه موعد بدأت الكنيسة تجذِّره تدريجيًا في عملها الرّعوي، لكي تكتشف أكثر فأكثر محتوى الإنجيل الرّئيسيّ. نحن ملتزمون يوميًّا باستقبال الفقراء، ولكنَّ هذا لا يكفي. إنَّ نهر الفقر يجتاز مدننا ويصبح كبيرًا لدرجة أنّه يفيض؛ ويبدو أنّ هذا النّهر يغمرنا، فيما تعلو وتشتدّ صرخة الإخوة والأخوات الذين يطلبون المساعدة والدّعم والتّضامن. لذلك وفي الأحد الذي يسبق عيد يسوع المسيح ملك الكون، نجتمع حول مائدته لكي ننال منه مجدّدًا العطيّة والالتزام لكي نعيش الفقر ونخدم الفقراء.

تابع البابا فرنسيس يقول "لا تُحَوِّلْ وَجهَكَ عن فَقير". تساعدنا هذه الكلمة لكي نفهم جوهر شهادتنا. لنتوقّف عند سفر طوبِيّا، نص جذَّاب ومليء بالحكمة، يسمح لنا بأن ندخل بشكل أفضل في المحتوى الذي يريد الكاتب المُلهَم أن ينقله إلينا. ينفتح أمامنا مشهد حياة عائليّة: الأب، طوبيت، يسلِّم على ابنه، طوبيّا، الذي يهمُّ للانطلاق في رحلة طويلة. وكان طوبيت الشيخ يخشى ألا يتمكن من رؤية ابنه مرّة أخرى، ولذلك ترك له "وصيته الرّوحية". كان طوبيت منفيًّا إلى نينوى، وهو اليوم أعمى، وبالتالي كان فقيرًا، لكنّه كان يتحلى باليقين الذي يعبِّر عنه اسمه، "الرّبّ خيري". هذا الرّجل الذي وضع ثقته في الرّبّ دائمًا، ولذلك يقول : "اذكُرِ الرَّبَّ، يا بُنَيَّ، جَميعَ أَيَّامِكَ، ولا تَرْضَ بِأَن تَخطأَ وتَتَعَدَّى وَصاياه. اعمَل أَعْمالَ البِرِّ جَميعَ أَيَّامِ حَياتِكَ، ولا تَسلُكْ سُبُلَ الإِثْم"

 

أضاف البابا فرنسيس في لحظة المحنة، اكتشف طوبيت،فقره، الذي جعله قادرًا على التّعرّف على الفقراء. كان أمينًا لشريعة الله وكان يحافظ على الوصايا، ولكن هذا لم يكن كافِيًا بالنسبة له. وقد تمكّن من أن يبدي اهتمامًا عمليًا بالفقراء لأنه اختبر شخصيًا ما يعنيه أن يكون المرء فقيراً. لذلك، فالكلام الذي وجّهه لابنه طوبيّا هو ميراثه العفوي: "لا تُحَوِّلْ وَجهَكَ عن فَقير". باختصار، عندما نكون أمام شخص فقير، لا يمكننا أن نحوّل نظرنا بعيدًا عنه، لأنّنا بذلك سنمنع أنفسنا من أن نلتقي بوجه الرّبّ يسوع. 

 

أكدّ الَحبر الأعظم في الذّكرى السّنويّة السّتّين للرّسالة العامّة، رسالته للسلام على الأرض، وقال من المُلحِّ أن نستعيد كلمات القدّيس البابا يوحنّا الثّالث والعشرين: "كلّ إنسان له الحقّ في الحياة، وفي السّلامة الجسديّة الكاملة، ووسائل الحياة الأساسيّة والكافية ليعيش في مستوى حياة كريمة، لا سيّما فيما يتعلّق بالمأكل والملبس والمسكن والرّاحة والرّعاية الطّبيّة والخدمات الاجتماعيّة الضّروريّة، وبالتّالي له الحقّ في الضّمان في حالة المرض والعجز والتّرمّل والشّيخوخة والبطالة، وفي كلّ حالة أخرى فيها يفقد وسائل العيش بسبب ظروف خارجة عن إرادته". كم علينا أن نعمل بعد لكي تصبح هذه الكلمات حقيقة، وكذلك من خلال التزام سياسيّ وتشريعيّ جادّ وفعّال! على الرّغم من حدود وفشل السّياسة أحيانًا في رؤية وخدمة الخير العام، يمكن للتّضامنَ والتآزر أن ينميا لدى الكثير من المواطنين الذين يؤمنون بقيمة الالتزام الطّوعي للتّفاني في سبيل الفقراء. يتعلّق الأمر بالتأكيد بأن نحفّز ونضغط لكي تقوم المؤسّسات العامّة بواجبها على أكمل وجه، ولكن لا ينفعنا أن نبقى خاملين هامدين في انتظار أن نحصل على كلِّ شيء "من علو": ينبغي أن يتمَّ إشراك الأشخاص الذين يعيشون في حالة فَقر، ومرافقتهم في مسيرة تّغيير ومسؤوليّة.

 

تابع الأب الأقدس يقول ليكُنْ اهتمامنا بالفقراء مطبوعًا دائمًا بالواقعيّة الإنجيليّة. كذلك على مشاركتنا أن تجيب على احتياجات الآخر الملموسة، وليس فقط على التحرّر من الفائض لدي. هنا أيضًا، نحن بحاجة إلى التّمييز، تحت إرشاد الرّوح القدس، لكي نتعرّف على متطلبات الإخوة الحقيقيّة، وليس على تطلّعاتنا. إنَّ ما يحتاجون إليه بشكلٍ ملحٍّ بالتّأكيد هو إنسانيّتنا، وقلبنا المُنفتح على الحُبّ. لا ننسَينَّ هذا الأمر أبدًا: "نحن مدعوّون لكي نكتشف المسيح فيهِم، ولكي نُعطي صوتنا لقضاياهم.

وختم البابا فرنسيس رسالته بمناسبة اليوم العالمي السّابع للفقراء بالقول تصادف هذه السّنة الذّكرى السّنويّة المئة والخمسون لولادة القدّيسة تريزا الطّفل يسوع. في صفحة من صفحات كتابها "قصة نَفْس" كتبت ما يلي: "الآن فهمت أنّ المحبّة الكاملة تقوم على أن نتحمّل عيوب الآخرين، وألا نتفاجأ على الإطلاق من ضعفهم، وأن نتعلّم من أصغر أعمال الفضيلة التي يقومون بها، ولكنني فهمت بشكل خاص أنّه لا يجب على المحبّة أن تبقى دفينة في أعماق القلب، لأن يسوع قد قال: "لا يوقد سراج ويوضع تحت المكيال، بل على المنارة، فيضيء لجميع الذين في البيت". ويبدو لي أنّ هذا السراج يمثّل المحبّة التي يجب أن تُنير وتُبهج ليس الذين أحبّهم وحسب، وإنما جميع الذين في البيت، دون استثناء أحد". وفي هذا البيت الذي هو العالم، يحقُّ للجميع أن يستنيروا بالمحبّة، ولا يمكن أن يُحرَمَ أحد منها. لتُلهِم مُثابرة المحبة في القدّيسة تريزا قلوبنا في هذا اليوم العالمي، ولتساعدنا لكي "لّا نُحوِّل نظرنا عن الفقير" ونبقيه ثابتًا على الدوام على وجه الرّبّ يسوع المسيح، البشريّ والإلهي.