Skip to main content

الكرسي الشاغر: ماذا يعني "Sede Vacante" بعد وفاة البابا فرنسيس؟

نبض الحياة

"نبض الحياة" - مع إعلان وفاة البابا فرنسيس، بدأ يظهر في الإعلام وعلى ألسنة المؤمنين مصطلح لاتيني قد يبدو غريبًا للبعض: .Sede Vacante لكن ما الذي يعنيه هذا التعبير؟ وماذا يحدث في أروقة الفاتيكان خلال هذه اللحظة الحساسة من تاريخ الكنيسة الكاثوليكية؟
ما هو"Sede Vacante"؟
“Sede Vacante” تعني باللغة اللاتينية "الكرسي الشاغر"، ويُقصد بها الفترة التي يكون فيها الكرسي الرسولي – أي المنصب البابوي في روما – بلا شاغل. هذا قد يحدث بعد وفاة البابا أو استقالته، كما حدث سابقًا مع البابا بندكتوس السادس عشر.
ورغم أن المصطلح يشير إلى "فراغ"، إلا أن الكنيسة لا تدخل في فوضى أو ارتباك، بل تبدأ آلية دقيقة ومدروسة لضمان الاستمرارية، والتحضير لاختيار خليفة جديد للقديس بطرس.
حتى في غياب البابا، تبقى الكنيسة حيّة. جذورها في المسيح، ورجاؤها في الروح القدس. هي ليست مؤسسة بشرية فقط، بل جسد حيّ يسير في التاريخ بإيمان أبنائه.
ماذا يحدث خلال هذه الفترة؟
مع بدء Sede Vacante، تتوقف صلاحيات البابا الراحل، وتُسلَّم المهام الإدارية إلى مجمع الكرادلة. ويبرز دور الكاردينال الحاجب (Camerlengo)، الذي يتولى مهام مؤقتة تشمل التأكد من وفاة البابا رسميًا، وختم شقته، وتأمين الوثائق الخاصة به.
خلال هذه المرحلة، لا يمكن اتخاذ قرارات كبرى أو إجراء تغييرات محورية في الكنيسة، بل يُركّز العمل على إدارة الأمور اليومية بسلاسة، استعدادًا لانعقاد المجمع المغلق، أو ما يُعرف بـ "الكونكلاف".
خلال هذه الفترة، تُعلّق التعيينات الأسقفية والقرارات البابوية، ولا تُعقد المجامع الكنسية العامة، ويبقى مجمع الكرادلة مسؤولًا عن القرارات العاجلة فقط، في حين يُمنع اتخاذ أي قرار يُغيّر وجه الكنيسة على المدى البعيد.
كيف يُنتخب البابا الجديد؟
في غضون أيام، يجتمع الكرادلة الناخبون – أي الذين لم يتجاوزوا سن الثمانين – داخل كنيسة السيستين، في جلسة مغلقة لا يُسمح لهم فيها بالتواصل مع العالم الخارجي. يصوّتون سرًّا، جولة بعد جولة، حتى يتم التوافق على اسم البابا الجديد.
خلال هذا الوقت، تُحرق أوراق التصويت، ويُراقب العالم الدخان المتصاعد من مدخنة الكنيسة: أسود إن لم يُنتخب أحد، وأبيض إذا تمّت الانتخابات. وعندما يُعلن Habemus Papam – لدينا بابا! – تبدأ حبريّة جديدة.
قبل دخولهم قاعة الكونكلاف، يخصص الكرادلة أيامًا للصلاة والتأمل فيما يعيشه العالم من تحديات. الهدف ليس فقط اختيار من هو الأجدر إداريًا، بل من هو أكثر انفتاحًا على الروح القدس، ليقود الكنيسة كخادم متواضع وغيور على الإيمان.
في الكنيسة، لا يترشّح أحد للبابوية، بل يُنتخب. لا وجود لحملات أو خطابات، بل لصمت وصلاة. الكرادلة يدخلون الكونكلاف مدركين أنهم لا يبحثون عن "زعيم"، بل عن "خادم".
الجذور التاريخية للمصطلح
فكرة "Sede Vacante" ليست حديثة، بل تعود إلى القرون الأولى للكنيسة. في تلك الأزمنة، كانت الفترات بين بابا وآخر قد تمتد لأشهر أو حتى سنوات، نتيجة الانقسامات السياسية أو تدخل القوى الحاكمة.
أطول هذه الفترات وقعت بين عامي 1268 و1271، بعد وفاة البابا كليمنت الرابع، حيث ظلّ الكرسي شاغرًا لأكثر من عامين. هذا التأخير دفع البابا غريغوريوس العاشر لإقرار نظام "الكونكلاف"، الذي فرض على الكرادلة البقاء في عزلة حتى انتخاب خليفة جديد.
Sede Vacante في العصر الحديث
مع تطور القوانين الكنسية، أصبحت فترات Sede Vacante أكثر اختصارًا وتنظيمًا. فعقب وفاة البابا يوحنا بولس الثاني عام 2005، استغرقت المرحلة الانتقالية 17 يومًا، أما بعد استقالة البابا بندكتوس السادس عشر عام 2013، فدامت 13 يومًا فقط قبل انتخاب البابا فرنسيس.
واليوم، تجد الكنيسة نفسها مجددًا في قلب هذه المرحلة الانتقالية، استعدادًا لاختيار راعٍ جديد يقود الكنيسة في عالمٍ متغيّر، مليء بالتحديات والآمال.
لماذا هذا المفهوم مهم؟
فهم "Sede Vacante" لا يقتصر على كونه مصطلحًا لاهوتيًا أو قانونيًا، بل هو شهادة حيّة على قدرة الكنيسة الكاثوليكية على تنظيم نفسها، والمحافظة على مسيرتها الروحية والمؤسساتية، حتى في أشد اللحظات حساسية.
خلال فترة الكرسي الشاغر، تدعو الكنيسة المؤمنين في العالم كله إلى الصلاة الحارة، من أجل أن يُلهم الروح القدس الكرادلة في انتخاب راعٍ جديد على مثال المسيح، يملك قلب الأب وجرأة الراعي.
إنها فترة تأمل وصلاة، لكنها أيضًا لحظة رجاء وانتظار، حيث يتطلع ملايين الكاثوليك حول العالم إلى من سيحمل الراية من جديد، ويقود الكنيسة في درب الإيمان، والوحدة، والسلام.