Skip to main content

مسؤولياتنا جميعاً في الاهتمام بمسيحيي غزة والأراضي المقدسة

رأي: نبض الحياة
مسيحيو غزة

بقلم: سند ساحلية - مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لأكثر من مئة يوم، والتي تسببت في مقتل وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وتدمير البنية التحتية والمؤسسات والمرافق العامة، ومع الكارثة الإنسانية التي باتت تهدد حياة ومستقبل أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع، يعيش المسيحيون الفلسطينيون في غزة شأنهم شأن باقي أبناء شعبهم، في حالة من الخوف والقلق على مستقبلهم، بعد أن تعرضت كنائسهم وبيوتهم وممتلكاتهم للقصف والتدمير، وكلنا يذكر الشهداء الذين سقطوا خلال قصف المستشفى المعمداني، وكنيسة القديس بورفيريوس، وهي واحدة من أقدم الكنائس في العالم وكنيسة العائلة المقدسة. وعلى الرغم من كل ذلك، يتمسك مسيحيو غزة بالبقاء في مدينتهم، إحدى أقدم المدن التي عرفت انتشار المسيحية، ويؤكدون أنهم يرفضون الخروج من القطاع، رغم الظروف الصعبة، لأنهم يعتبرونه أرضهم وتاريخهم وهويتهم.


ملايين الفلسطينيين يعانون من نتائج وآثار الحرب والحصار. وفي ظل هذه الظروف الصعبة، تعيش في غزة مجموعة صغيرة من المسيحيين يصل عددها إلى نحو ألف نسمة مع أن نسبتهم إلى سكان القطاع بلغت أكثر من 10% في مطلع القرن الماضي وحتى وقوع النكبة عام 1948، هؤلاء يشاركون أهلهم في النضال والصمود والأمل. ولكنهم يواجهون تحديات إضافية تتعلق بحفظ تاريخهم وهويتهم وتراثهم وحقوقهم. لذلك، فإن الحفاظ على وجود المسيحيين في غزة هو أمر ضروري للغاية، ليس فقط لمصلحة هذه الأقلية العددية، ولكن أيضا لمصلحة الشعب الفلسطيني بأسره، وحتى لملياري مسيحي على امتداد العالم الذين يهمهم دون أدنى شك بقاء المسيحيين في بلد السيد المسيح.


مسيحيو غزة كما في كامل فلسطين هم سكان أصليون، ولهم تاريخ عريق وحضور مميز في هذه الأرض، التي شهدت بداية الإيمان المسيحي، وهم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، ويمثلون تراثا تاريخيا وثقافيا ودينيا ثريا ومتنوعا. فهم ينحدرون من أصول فلسطينية قديمة، ويحملون هوية فلسطينية وطنية، ويعتنقون إيمانا مسيحيا أصيلا. ويحافظون على عاداتهم وتقاليدهم وموروثهم العريق، وينشرون قيمهم ورسالتهم السامية. ويثرون الحياة الفلسطينية بإبداعاتهم وخدماتهم في مختلف المجالات العلمية والثقافية والسياسية والاقتصادية. ويعكسون التنوع والانفتاح الذي ميز الشعب الفلسطيني عبر التاريخ، والذي يجعله قادرا على التكيف والتطور والتقدم.


مسيحيو فلسطين، هم جزء لا يتجزأ من المشهد الثقافي والتاريخي والحضاري، ويسهمون في تنوعه وثرائه الروحي والإنساني. ويديرون مؤسسات خيرية وتعليمية وصحية، تخدم جميع الفئات دون تمييز، وتعزز قيم العيش المشترك والتضامن. ويحافظ المسيحيون في غزة على تقاليدهم وعاداتهم وطقوسهم الدينية وأعيادهم ومناسباتهم واحتفالاتهم، التي تضيف ألوانا زاهية وتبث روح الحياة والأمل في هذا القطاع المنكوب بالبؤس والحصار والحروب.


انهم شهود على الظلم والاحتلال الذي يستهدف جميع الفلسطينيين دون تمييز. وقد تعرضت كنائسهم ومؤسساتهم وممتلكاتهم للقصف والتدمير، وقد قتل وأصيب بعضهم بالرصاص والقنابل، ويحتاجون إلى الدعم والمساندة من المجتمع الدولي، لحماية حقوقهم وحرياتهم وكرامتهم.
يشكل المسيحيون في غزة رمزا للصمود والأمل، في وجه الصعاب والمخاطر. ولا يكفّون عن التأكيد على رفضهم الخروج من القطاع، وأنهم متمسكون بأرضهم وتاريخهم وهويتهم، راسخو الانتماء إلى الشعب الفلسطيني، ويدعون للسلام والعدالة. ويقولون إنهم يصلّون من أجل إنهاء الحرب والحصار، ويأملون في أن يتمكنوا من الاحتفال بالأعياد المسيحية بحرية وكرامة.


ينحدر المسيحيون في غزة من أقدم الجماعات المسيحية في العالم، ويرتبطون بالنسب مع المسيحيين الأوائل الذين عاشوا في فلسطين التاريخية، حيث ذُكرت المنطقة في سفر أعمال الرسل، والذي يروي قصة القديس فيلبس الرسول الذي عمّد رجلا من الحبشة على الطريق بين القدس وغزة. وتعتبر غزة موقعا مهمّا في تطور الإيمان المسيحي، حيث شهدت انتشار المسيحية في القرن الرابع، وبناء العديد من الكنائس والأديرة، من بينها كنيسة القديس بورفيريوس، والتي تعرضت للقصف الإسرائيلي مؤخرا.


على الرغم من كل هذه التحديات، يجد المسيحيون في إيمانهم مصدر قوة وأمل. يعتمدون على الله وعلى بعضهم البعض، ويحلمون بالحرية والمساواة والسلام والحياة الكريمة. يؤمنون بأن الله لا ينسى شعبه، وأنه سيعينهم على الظلم والاحتلال. يرددون قول القديس فرنسيس الأسيزي: "الله، اجعلني أداة لسلامك، حيث يوجد كراهية، فلأزرع محبة، حيث يوجد ظلم، فلأزرع عفوا، حيث يوجد شقاق، فلأزرع وحدة، حيث يوجد خطأ، فلأزرع حقا، حيث يوجد يأس، فلأزرع أملا، حيث يوجد ظلام، فلأزرع نورا، حيث يوجد حزن، فلأزرع فرحا".