تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

تفاؤل قبيل زيارة البابا إلى تركيا لإعادة فتح معهد هالكي الأرثوذكسي في إسطنبول

ابونا

مع استعداد البابا لاون الرابع عشر للقيام بأولى رحلاته الخارجية بزيارة إلى تركيا لإحياء حدث مهمّ شكّل أسس المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية، تشهد الأوساط الدينية والدبلوماسية موجة جديدة من التفاؤل بشأن إمكانية إعادة فتح معهد لاهوتي أرثوذكسي يوناني ظل مغلقًا منذ عام 1971.

فقد أصبح معهد هالكي للاهوت رمزًا للتراث الأرثوذكسي، ومحورًا رئيسيًا للمطالبة بتعزيز الحريات الدينية في تركيا. ويقع المعهد على جزيرة هيبلي آدا قبالة ساحل إسطنبول، وكان قد خرّج عبر تاريخه أجيالًا من البطاركة والإكليروس الأرثوذكس، من بينهم البطريرك المسكوني برثلماوس الأول.

وأُغلق المعهد بموجب قوانين كانت تقيّد التعليم العالي الخاص في تركيا. ورغم المناشدات المتكرّرة من قادة دينيين دوليين ومدافعين عن حقوق الإنسان، ورغم تغييرات قانونية لاحقة سمحت بازدهار الجامعات الخاصة، بقي المعهد مغلقًا لأكثر من خمسة عقود.

وبرزت مؤشرات إيجابية على إعادة فتحه بعد لقاء جمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض في أيلول الماضي، حيث صرّح أردوغان بأن بلاده ستقوم "بدورها" في هذا الشأن. وكان أردوغان قد ربط سابقًا إعادة افتتاح المعهد باتخاذ اليونان خطوات موازية لتعزيز حقوق المسلمين هناك.

المبنى، الذي يعود إلى عام 1844، يلفّه اليوم السقالات بينما تتواصل أعمال التجديد. وقد اكتمل بالفعل  تجهيز طابق مخصص لرجال الدين وقاعتين دراسيتين، في انتظار استقبال الطلاب فور إعادة الافتتاح.

وخلال زيارته لتركيا التي تبدأ الخميس، سيجتمع البابا لاون الرابع عشر بالرئيس أردوغان، وسيشارك البطريرك المسكوني برثلماوس في إحياء الذكرى الـ1700 لمجمع نيقية، في حجّ يستعيد الجذور اللاهوتية للمسيحية. وبعد ذلك يتوجّه إلى لبنان في المحطة الثانية من رحلته.

وقال رئيس أبرشية الروم الأرثوذكس في أميركا، المطران إلبيدوفوروس، في مقابلة مصوّرة مع وكالة أسوشييتد برس من مقرّه في نيويورك، إن تركيا "مستعدة لاتخاذ خطوة كبيرة، لمصلحة البلاد ولمصلحة الأقليات ولتعزيز الحقوق الدينية وحقوق الأقليات"، عبر إعادة فتح المعهد من جديد.

وأشار إلى أن لجنة مشتركة من البطريركية الأرثوذكسية اليونانية في إسطنبول والحكومة التركية بدأت بالفعل مناقشات بشأن إعادة الافتتاح، معبّرًا عن تفاؤله بأن يستقبل معهد هالكي طلابه من جديد مع بداية العام الأكاديمي المقبل.

وأضاف المطران، المولود في إسطنبول: "الإبقاء على هذا المعهد مغلقًا بعد أكثر من 50 عامًا مفارقة سياسية ودبلوماسية لا تفيد أحدًا. لدينا في تركيا العديد من الجامعات والمدارس الخاصة، وبالتالي فإن استمرار إغلاق هالكي وحده لا يخدم تركيا ولا يخدم أي طرف".

لطالما عُدّ مصير هذا المعهد اختبارًا لطريقة تعامل تركيا مع الأقليات الدينية، بما في ذلك سكانها المسيحيون الذين تُقدّر أعدادهم بين 200 إلى 370 ألفًا من أصل نحو 86 مليون نسمة. ومنذ وصوله إلى السلطة عام 2002، اتخذت حكومة أردوغان إجراءات لتحسين أوضاع الجماعات الدينية، من بينها افتتاح أماكن للعبادة وإعادة بعض الممتلكات المصادرة، إلا أن تحديات عديدة ما زالت قائمة.

وعلى الرغم من أن الدستور التركي يكفل حرية الدين، فإن الأقليات غير المسلمة المعترف بها بموجب معاهدة لوزان لعام 1923 -أي الأرمن واليونانيون واليهود- وحدها المخوّلة تشغيل أماكن عبادة ومدارس خاصة بها. أما الجماعات المسيحية الأخرى فتعاني غياب الاعتراف الرسمي، ما يخلق عراقيل أمام تسجيل كنائسها أو جمعياتها الدينية.

كما شهدت البلاد حوادث عنف متفرقة، من بينها هجوم عام 2024 على كنيسة كاثوليكية في إسطنبول قُتل فيه أحد المصلّين خلال القداس، وقد تبنّى تنظيم داعش المسؤولية عنه. كما ونفت تركيا تقارير حديثة زعمت أنها رحّلت أجانب ينتمون إلى جماعات بروتستانتية باعتبارهم "تهديدًا للأمن القومي"، مؤكدة أن ما نُشر "حملة تضليل متعمّدة".

وفي تموز 2020، أعادت تركيا تحويل آيا صوفيا -إحدى أهم كاتدرائيات التراث المسيحي والموقع المُدرج على قائمة التراث العالمي- من متحف إلى مسجد، وهو قرار أثار انتقادات دولية واسعة. ورغم أن البابوات زاروا آيا صوفيا سابقًا، إلا أن هذا المعلم البارز غاب عن جدول زيارة البابا الحالية.

وتُعَدّ البطريركية الأرثوذكسية اليونانية في إسطنبول المرجعية الروحية الأولى ("الأول بين متساوين") في العالم الأرثوذكسي. غير أن تركيا لا تعترف بوضعها المسكوني، إذ تعتبر -وفق معاهدة 1923- أن البطريرك هو رئيس للكنيسة اليونانية الأرثوذكسية المتناقصة في البلاد. وتعود جذور البطريركية إلى الإمبراطورية البيزنطية التي سقطت عام 1453 بيد العثمانيين.

وعلى تلال المعهد المغلق، قالت الزائرة اليونانية أغنيس كالتسوجانّي إن إعادة فتحه سيكون أمرًا مهمًا لكل من اليونان وتركيا، وقد يمهّد لتحسين العلاقات بين البلدين المتنافسين منذ عقود. وأضافت المعلمة، البالغة من العمر 48 عامًا: "ينبغي أن يكون هناك تحسّن تدريجي للعلاقات على جميع المستويات، ويمكن أن يكون هذا المكان نقطة انطلاق لتطوّر ثقافي كبير وتقارب بين الشعبين".

وكان المطران إلبيدوفوروس، البالغ اليوم 57 عامًا، صغيرًا جدًا عند إغلاق المعهد، ما اضطره للدراسة في معهد لاهوتي آخر في اليونان. لكنه خدم لاحقًا كرئيس دير هالكي لمدة ثماني سنوات قبل تعيينه رئيسًا لأبرشية أميركا. وقال: "إن معهد هالكي اللاهوتي يسكن في قلبي".

وعند سؤاله عن أهميته بالنسبة للجماعة الأرثوذكسية، أوضح أن المعهد يمثّل "روحًا" منفتحة على الأفكار الجديدة وعلى الحوار والتعايش، وترفض النزعة القومية الضيقة والانحيازات الدينية وخطاب الكراهية. وأضاف: "العالم كله بحاجة إلى مدرسة تحمل هذه الروح".

المصدر: موقع أبونا