وكالات - نبض الحياة: كتبت الصحفية الأمريكية من أصل عراقي ناتاشا دادو، مقال في الذكرى العشرين للغزو الأمريكي للعراق في صحفية "ذي ناشونال" جاء فيه أنها تراقب عن بُعد تلاشي ثقافتها وتراثها ببطء. فمنذ بدء الحرب، تضاءل عدد السكان المسيحيين بمعدل يفوق الـ 80 بالمائة، إذ تراجع من 1.5 مليون نسمة إلى 250 ألفاً، وفقاً للتقارير الإعلامية للقيادات المسيحية والمنظمات غير الحكومية. كما دُمرت أكثر من 350 كنيسة في الهجمات التي شنها الإرهابيون في تلك الفترة.
ومن شأن الدمار الذي حلّ بأماكن أثرية وقطع فنية مسيحية على مدى عقدين من الزمان أن ينذر بمحو تاريخ شعب يرجع لآلاف السنين. وفي السنوات الماضية، جعلت الهجمات العراق مكاناً لا يأمن فيه المسيحيون ممارسة طقوسهم الدينية، ويُمنع النازحون المسيحيون من العودة إلى موطنهم".
وأضافت: "أشعر أنها قضية شخصية، إذ قتل تنظميم داعش الإرهابي اثنين مع أبناء عمومتي ذنبهما اتباع تعاليم دينهم! فقد باتت الحرب فريسة للإرهاب، إذ كان المسيحيون يشعرون قبل ذلك بالأمان ويتمتعون بالحماية والحرية الدينية. وبعد الإطاحة بالرئيس صدام حسين في بداية الغزو، تعرض مسيحيون كُثر للاضطهاد من قبل الإرهابيين وأُجبروا على ترك أرض أسلافهم".
وبينما كان المسيحيون يُعدون أقلية بالنسبة لتعداد السكان، علاوة على معاناتهم من الاضطهاد لمئات الأعوام وكونهم السكان الأصليين للعراق، تم استهدافهم في أعقاب الغزو.
ويرجع تاريخ المسيحيين في العراق-والذين يُدعون كلدانيين، وآشوريين، وسريان، إلى أكثر من 5 آلاف عام في بلاد ما بين النهرين التي يعتبرها كثيرون مهداً للحضارة. ولا يعد معظم الكلدانيين، والآشوريين، والسريان أنفسهم عرباً لأنهم أهل البلاد الأصليين، كما يتحدثون بالآرامية، وهي لغة يسوع المسيح، والتي توشك على التلاشي. وقد عاشت هذه المجتمعات في العراق قبل تحولها لدولة حديثة بوقت طويل.
لا يستطيعون الخروج
لقد مُنيت الأقليات الدينية في العراق بانتكاسة جديدة عام 2014، بعد أن استولى تنظيم داعش الإرهابي على مدينة الموصل. وفي ذلك الوقت، أعطى داعش إنذاراً نهائياً للمسيحيين بترك المدينة، أو اعتناق الإسلام، أو دفع الجزية، أو الموت. وللتعرف على المسيحيين، قام التنظيم بوضع علامات على بيوتهم ممثلة في حرف "ن" أو "نصراني".
وبعد الاستيلاء على الموصل، أُخليت المدينة تماماً من المسيحيين للمرة الأولى منذ آلاف السنين، إذ أُجبر أكثر من 125 ألف شخص على الفرار. ويعد الإيزيديون أقلية ومجموعة أخرى من السكان الأصليين. وقد واجه هؤلاء نفس المصير، إذ فر نحو 200 ألف شخص من المدينة للأسباب نفسها.
وتابعت ناتاشا: "حين سألت صديقاً ما إذا كان يعتقد أن للمسيحيين مستقبلاً في العراق أم لا، رد بالإيجاب، شريطة ألا يقع حادث آخر يجلي عدداً كبيراً منهم. لقد أشرت إلى سقوط الموصل للتعبير عن صعوبة الموقف بالنسبة للمسيحيين الذين بقوا هناك والذين لا يستطيعون الخروج من المدينة". وتقدر قاعدة البيانات السكانية لمؤسسة "شالاما" غير الحكومية بأن هناك 141346 كلدانياً، وآشورياً، وسريانياً في العراق فحسب حالياً.
عناية خاصة بعد الحرب
لقد عانى عدد غير محدود من العراقيين الآثار البشعة للحرب وتداعياتها، بعد أن قُتل أكثر من مليون شخص. وبالمثل، راح الكثير من المسلمين ضحايا للاضطهاد الديني وتدمير المساجد. غير أن الأقليات الدينية التي تشمل المسيحيين والأيزيديين، هم ضحايا لما يطلق عليه المجتمع الدولي اسم "الإبادة الجماعية" و"التطهير العرقي". ولا تعلم تلك الأقليات ما إذا كانت ستصبح جزءاً من مستقبل العراق أم لا، كما أنها مهددة بالفناء.
وأكدت الكاتبة ضرورة التعامل مع أزمة هذه المجتمعات الأصلية بوصفها قضية مختلفة للعثور على حلول ناجعة تضمن بقاءها.
حق مسيحيي الشتات
ومضت الكاتبة تقول: "عام 2010، تم تفجير كنيسة (سيدة النجاة) ببغداد، في هجوم انتحاري خلف عشرات القتلى. إن التفكير في مهاجمة كنيسة أخرى أو مكان مسيحي آخر أمر مقلق. فما هذه الأماكن إلا جزء من هويتي، فأنا أفقد جزءاً من نفسي حين تُدمر قطعة من تاريخي".
ولكل المسيحيين العراقيين في الشتات في جميع أنحاء العالم حق في وطنهم، حق في أن يعودوا إليه دون خوف من أن يُستهدفوا بسبب عقيدتهم، وحق في بقاء لغتهم وثقافتهم.
على العالم التحرك
وأضافت الكاتبة: "باعتباري مراسلة إخبارية، أنتهز جميع الفرص لنشر الوعي حول أزمة مسيحيي العراق بعد الحرب، فصرت أبحث عن قصصهم وأكتبها. وفي تلك الأثناء، تعلمت أن الصحفيين قد لا يستطيعون إخراج الناس من أزماتهم، بيد أنهم يستطيعون مشاركة قصص هؤلاء الناس مع باقي العالم، وهذا أمر فعال".