الفاتيكان - ترأس البابا فرنسيس القداس الإلهي في استاد جيلورا بونج كارنو في جاكرتا.
وألقى الحبر الأعظم عظة قال فيها: يدعونا اللقاء مع يسوع لكي نعيش موقفَين أساسيين، يسمحان لنا بأن نصبح تلاميذه: الإصغاء إلى الكلمة، وعيش الكلمة. أوّلًا الإصغاء، لأنّ كلّ شيء يُولد من الإصغاء، ومن الانفتاح على يسوع، وقبول عطيّة صداقته الثّمينة. ولكن من المهمِّ بعدها أن نعيش الكلمة التي نلناها، لكي لا نكون ممن يكتفون بسماعها فيخدعون أنفسهم؛ ولكي لا نخاطر فنسمع فقط بآذاننا، بدون أن تنزل بذرة الكلمة في قلبنا وتغيّر أسلوبنا في التفكير والشعور والتصرّف. إنَّ الكلمة التي تُعطى لنا والتي نُصغي إليها تطلب أن تصبح حياة، وأن تحوِّل الحياة، وأن تتجسّد في حياتنا.
الإصغاء إلى الكلمة
تابع: هذان الموقفان الأساسيّان: الإصغاء إلى الكلمة، وعيش الكلمة، يمكننا أن نتأمّل فيهما في الإنجيل الذي سمعناه. أوّلاً، الإصغاء إلى الكلمة. روى الإنجيليّ أنّ أُناسًا كثيرين ذهبوا إلى يسوع و"ازْدَحَمَ الجَمعُ علَيهِ لِسَماعِ كَلِمَةِ الله". كانوا يبحثون عنه، وكانوا جياعًا وعطاشًا إلى كلمة الله، وسمعوا صداها في كلمات يسوع. لذلك، هذا المشهد، الذي يتكرّر كثيرًا في الإنجيل، يقول لنا إنّ قلب الإنسان يبحث دائمًا عن حقيقة قادرة على أن تُشبع رغبته في السّعادة، وأنّه لا يمكننا أن نكتفي فقط بالكلمات البشرية، وبمعايير هذا العالم، وبالأحكام الأرضيّة، ولكننا نحتاج دائمًا إلى نورٍ يأتي من العُلى لكي ينير خطواتنا، وإلى ماءٍ حيّ يمكنه أن يروي عطش صحاري نفوسنا، وإلى تعزية لا تخيِّب، لأنّها تأتي من السّماء وليس من الأمور الزّائلة هنا على الأرض. في وسط ذهول وغرور الكلمات البشريّة، نحن بحاجة إلى كلمة الله، الوحيدة التي تشكل بوصلة لمسيرتنا، والوحيدة التي بين الكثير من الجراح والضياع، يمكنها أن تقودنا مجدّدًا إلى معنى الحياة الحقيقيّ.
أضاف: أيّها الإخوة والأخوات، لا ننسَينَّ هذا: إنَّ مهمّة التّلميذ الأولى ليست ارتداء ثوب التّديّن المثاليّ في الظّاهر، والقيام بأمور خارقة أو الالتزام بمشاريع كبيرة. الخطوة الأولى هي أن يعرف كيف يضع نفسه في الإصغاء إلى الكلمة الوحيدة التي تخلِّص، كلمة يسوع، كما يمكننا أن نرى في الحدث الإنجيليّ، عندما صعد المعلّم إلى سفينة بطرس لكي يبتعد قليلًا عن الشّاطئ، ويعلِّم النّاس هكذا بشكل أفضل. إن حياة الإيمان تبدأ عندما نقبل بتواضع يسوع في سفينة حياتنا، ونفسح له المجال، ونضع أنفسنا في الإصغاء إلى كلمته، ونسمح لها بأن تسائلنا وتهزّنا وتغيّرنا.
عيش الكلمة
تابع: في الوقت عينه، تطلب كلمة الرّبّ أن تتجسّد فينا بشكل ملموس: لذلك نحن مدعوّون لكي نعيش الكلمة. في الواقع، بعد أن انتهى من تعليم الجموع من السّفينة، التفت يسوع إلى بطرس وحثّه على أن يجازف ويُراهن على تلك الكلمة: "سِرْ في العُرْض، وأَرسِلوا شِباكَكُم لِلصَّيد". لا يمكن لكلمة الرّبّ أن تبقى فكرة جميلة ومجرّدة أو أن تُثير فقط فينا مشاعر لحظة، وإنما هي تطلب منّا أن نغيّر نظرتنا، وأن نسمح لها بأن تحوّل قلبنا وتجعله على صورة قلب المسيح، وتدعونا لكي نُرسل شباك الإنجيل بشجاعة في وسط بحر العالم، "ونجازف" بعيش الحب الذي علّمنا إيّاه وعاشه هو أوّلًا. إنَّ الرّبّ يطلب منّا نحن أيضًا، بقوّة كلمته المضطرمة، أن نسير في العُرض، وأن نبتعد عن شّواطئ العادات السيئة الرّاكدة، وعن الخوف والفتور، لكي نجازف ونعيش حياة جديدة.
أضاف: إنّ العقبات والأعذار لكي نقول لا، لن تغيب أبدًا بالطبع، لكن لننظر مرّة أخرى إلى موقف بطرس: كان راجعًا بعد ليلة صعبة لم يَصطد فيها شيئًا، وكان مُتعبًا ومُحبطًا، مع ذلك، وبدل أن يبقى مشلولًا في ذلك الفراغ وعالقًا بفشله، قال: "يا مُعَلِّم، تَعِبْنا طَوالَ اللَّيلِ ولَم نُصِبْ شَيئًا، ولكِنِّي بِناءً على قَولِكَ أُرسِلُ الشِّباكَ". بِناءً على قَولِكَ أُرسِلُ الشِّباكَ. عندها حدث ما لم يُسمع به من قبل، معجزة السّفينة التي امتلأت بالسّمك حتّى كادت تغرق. أيّها الإخوة والأخوات، أمّام المهام الكثيرة في حياتنا اليوميّة، وأمام الدّعوة، التي نشعر بها جميعًا، لبناء مجتمع أكثر عدالة، والمضي قدمًا على درب السّلام والحوار –التي رُسمت منذ زمن هنا في إندونيسيا- قد نشعر أحيانًا بأنّنا غير أكْفَاء، وبثقل الكثير من الالتزامات التي لا يؤدّي دائمًا إلى النّتائج المرجوّة أو بأخطائنا التي تبدو أنّها تعيق المسيرة. لكن بتواضع بطرس وإيمانه، يُطلب منا نحن أيضًا ألّا نبقى أسرى فشلنا، وبدل أن نُثبِّتَ أنظارنا على شباكنا الفارغة، وإنما أن ننظر إلى يسوع ونثق به. يمكننا أن نجازف دائمًا في السير في العُرض ونُرسل شباكنا من جديد، حتّى بعد أن نكون قد قضينا ليلة فاشلة، وزمنًا يائسًا لم نصطد فيه شيئًا.
لا تتعبوا من بناء حضارة السّلام
تابع: كانت القدّيسة تريزا دي كالكوتا، التي نحتفل اليوم بتذكارها، والتي اعتنت بالفقراء بلا كلل، وأصبحت داعية للسّلام والحوار تقول: "عندما لا يكون لدينا شيء نعطيه للآخرين، لنعطهم هذا اللا شيء. وتذكّر: حتّى لو لم تحصد شيئًا، لا تتعب أبدًا من أن تزرع".
أيّها الإخوة والأخوات، هذا ما أودّ أن أقوله لكم أيضًا، ولهذه الأمّة، ولهذا الأرخبيل الرّائع والمتنوّع: لا تتعبوا من السير في عُرض البحر ومن إرسال الشباك، ولا تتعبوا من الحلم وبناء حضارة السّلام! تجرّؤوا دائمًا على أن تحلموا بالإخوّة! وبِناءً على كلمة الرّبّ أشجّعكم على أن تزرعوا المحبّة، وأن تسير بثقة على درب الحوار، وأن تمارسوا أيضًا صلاحكم ولطفكم مع الابتسامة الخاصّة التي تميّزكم، لكي تكونوا بُناة سلام ورجاء.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول: هذه هي الرغبة التي عبّر عنها أساقفة البلاد، وهي أيضًا الأمنيّة التي أن أتمنَّاها للشّعب الإندونيسيّ بأسره: سيروا معًا من أجل خير الكنيسة والمجتمع! وكونوا بناة رجاء، رجاء الإنجيل الذي لا يخيّب، والذي يفتحنا على الفرح الذي لا نهاية له.
شكرًا للشعب الأندونيسي
وفي ختام الذبيحة الإلهيّة، وجّه البابا فرنسيس كلمة شكر قال فيها: أشكر الكاردينال إينياسيوس، وكذلك رئيس مجلس الأساقفة ورعاة الكنيسة الآخرين في إندونيسيا، الذين مع الكهنة والشّمامسة يخدمون شعب الله المقدّس في هذا البلد الكبير. أشكر الرّاهبات والرهبان وجميع المتطوّعين، كما أشكر بمودة كبيرة المودّة للمسنّين والمرضى والمتألّمين الذين صلّوا من أجلنا.
أضاف: إنّ زيارتي بينكم تشارف على نهايتها، وأريد أن أعرب عن امتناني وفرحي للاستقبال الرّائع الذي استقبلتموني به. وأجدّد شكري لرئيس الجمهوريّة والسلطات المدنيّة الأخرى وقوّات الشرطة، وأشمل بشكري الشّعب الإندونيسي بأسره. ليبارككم الله!